أما الدليل إذا ذكرتُ محمداً******صارت دموع (العارفين) تسيلُ
ربيع الأول وتحديداً في الثاني عشر هو أكثر الأيام حظاً على الإطلاق، وأقدمها سبقاً في شرف لا يمكن استنساخه، وقيمة لا يمكن تكرارها، ولا أعرف تاريخاً ينبغي الاحتفاء به في هذه الأرض كهذا التاريخ، وخصيصته في ذلك عالمية الظرف وعمومية الأثر، وكيف تحققت (رحمة للعالمين) بكل تجليات المعنى.
نحن هنا بين تذكير بالحق، واعتذار لصاحب الحق، إذ كيف ينبغي لمن لا يملك شيء أن يمدح من امتدحه مالك كل شيء، واستغنى بما حصل عما لا قيمة له وإن حصل، ولكن لعلها سببية ذكرٍ تنفع المارة، وتحيي رميم روح قتلتها المادة وأرهقها الدهر، وترفع مترنّماً بأحرف ذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم.
لعل مشهد ولادة النبي استوقف الكون بما فيه، وارتفعت قيمة الأرض بقيمته، وعلت تلكم البشرية بخروج صفوة الخلق على الجملة -“إنما أنا بشر”- واستقام التشريف منقاداً كان لم ينْقد قط.
حين كانت الأرض أكثر حاجة للرحمة، وأكثر حاجة للعدل، وأكثر حاجة للنور، أوجد الله محمداً، ليُغني بما أغناه الله، ويفي لنا بما أفاء الله، فغيض الظلم لينبت العدل، وأُميت الجهل ليعم النور، وختم ذلك المساق بأعظم ما نحتاج وجماع ما نطلب وهي الرحمة ولما كانت نور الوصول ودليل الغاية صُيّرت عامة للعالم وعالمية للكل، وبهذا بلغت رسالته ما بلغت ولو بقيت الرحمة كما كانت لبلغنا أكثر مما نبلغه الآن، ولكن خرجنا عن القصد فأعقبنا خُلْف وفرقة وانحسار وأورثنا نمطية ظالمة تقول: الرحمة طارئة في الإسلام.
لم يكن مولده صلى الله عليه وسلم إلا انطلاق لتلك المُثل التي تصنع نموذج لأجمل مثال وأمثل حياة، وهناك الكثير مما سُطّر امتداحاً للنبي صلى الله عليه وسلم بين محبيه وما دون ذلك ممن ساقه العدل وحركه الحق، ولكن أي قيمة يحملها ذلك القول مع ما قال الله ونقله جبريل ونشره هو عليه السلام.
أظن أننا بحاجة لرابطة مادية روحية بذلك التاريخ وتفاعل خاص بهذا الموعد ليحظى بطعم خاص كما حظي به غرة رمضان مثلاً وليالي الأعياد، وهذا أقل القليل وقاعدة البناء إن صح التعبير.
في مولدك يا رسول الله سأنفض تقصيري باستذكار ما قل أنْ يُذكر وندُر أن يُعرف، وفيه سأنصت لكل خيرٍ عرفناه خيراً وكل معروف دبّ بيننا معروفاً فهو صنيعتك وأثرك، عسى أن يحيي ما هدم الباطل في نفوسنا ونعود إلى ما أوصيت، أو بعضه.
في يوم مولدك سأجرب ذاكرتي في جميل ما قيل عنك ودل عليك، وفيه سأستجمع كلماتي لتحرر ذلك الجهاد الذي سطّرتَه في إخراجنا من النار، وجذبنا إلى طريق الجنة.
في يوم مولدك سأقف على (أمتي أمتي) وكيف صنعتَ بها أعلى مراتب الحب والرحمة والسخاء والتضحية، في يوم مولدك سأراقب المارة لأخبرهم أنهم أولئك الذين خبأت لهم دعوة كنت أنت أولى بها.
في يوم مولدك سأتذكر ملك الجبال حين أتاح لك فرصة الانتقام فأخبرتَه إنك تريد لهم خير مما يريدون هم لأنفسهم، وأنك تعذرُ جهلهم، وأنك تصبر على أمل.
في يوم مولدك سأدرس تاريخ: (رحمة للعالمين) (وإنك لعلى خلقٍ عظيم) (من فجع هذه بولدها) (الحمدلله الذي انقذه من النار) (اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا) (أطلقوا ثمامة) (لأن يهدى بك رجل واحد) (إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة) (اللهم اهد دوساً) (اللهم اهد ثقيفاً) (فمن أَمَّ قومًا فليُخفِّف) (يَسِّروا ولا تُعسِّروا) (كراهية أن أشق على أُمِّهِ) (ليس البِرُّ أن تصوموا في السفر) (يتخولنا بالموعظة) (والله إنها لدُعائي لأُمَّتي في كل صلاة) (فدعا بجريدة رطبة وشقَّها نصفين) (إني اختبأت دعوتي شفاعةً لأُمَّتي يوم القيامة) وفي كل تاريخ من هذا تاريخ بذاته، قائم بعبارته، ولو أنصفتني الذكرى لم ينصف المداد، ولو أغاثني الفكر لما جاد الزمن، وحسبي من القلادة ما أحاط بالعنق، ولكم بقية التتبع وتتبع المتبقي لنعلم قلة الزاد وطول الرحلة .
ختاماً… اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك وحبيبك ومصطفاك.