سأل الكثير من الحبر في موضوع “صفقة القرن”، قبلها وأثناء توقيع “الاتفاقيات الإبراهيمية” لكن أحدًا لم يتحدث عن الكذبة التي رافقتها، وأخذت من الزخم والكتابات مالم تأخذه “صفقة القرن” نفسها، مئات الأقلام وعشرات الصحف والفضائيات روّجت لسنوات أن السعودية تقود هذه الصفقة، وأنها جزء من هذه “الاتفاقيات”؛ ليتبين لاحقًا زيف وتلفيق هذه التقارير والحملات الصحفية المضللة والموجهة، والتي لم يحركها كره التطبيع (بعضها تقوده دول وتنظيمات مطبعة)، ولم تكن حبًا في فلسطين، كان هدفها الإضرار بسمعة المملكة العربية السعودية، ووضع عصا في دولاب الرؤية الجديدة، تلك الحملة المضللة التي رافقت “صفقة القرن” استحقت لقب كذبة القرن.
كل الحملات المعادية للمملكة أثناء وبعد “الربيع العربي” كان لها هدف واحد (حتى لو غيّرت الأقنعة مرات عديدة)، وهو محاربة الرؤية الجديدة التي وضعها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، والتي كان واضحًا أنها ستغير وجه السعودية والمنطقة كلها للأبد، رؤية للمستقبل حاول أعداؤها تشتيتها في الحاضر بكل وسيلة ممكنة.
تم ربط المشاريع العملاقة التي تجري على البحر الأحمر بموضوع التطبيع عن قصد وبخبث لعرقلتها، تمت محاربة ولي العهد بكل الطرق أملًا في إيقاف العجلة من خلال استهداف محركها، وصل الأمر في تلك الفترة مستويات مخزية من التعاطي من طرف كتاب ووسائل إعلام “عربية” وغربية، بعضهم أقسم أن الاتفاقيات وقعت وأن ولي العهد زار إسرائيل أكثر من مرة، بعضهم أوصله الحقد حد الترويج لوثيقة مزورة تتهم بطل الجزيرة العربية وموحدها ومؤسس السعودية الملك عبد العزيز -رحمه الله- ببيع فلسطين، لم يبقَ نوع من الدناءة إلا وتمت ممارسته لربط السعودية بملف لاعلاقة لها به كيف وهي أكبر داعم لفلسطين منذ النكبة، وحتى يومنا هذا لازالت هي من يدفع تكاليف البعثات الدبلوماسية الفلسطينية، وهي من كررت موقفها في كل مناسبة وفوق كل منبر بأن لا سلام مع إسرائيل إلا من خلال إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، مواقف المملكة تجاه فلسطين مشرفة في الماضي وفي الحاضر، ولعل من تابع لقاء سمو الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز يُدرك بعضًا من حجم التضحيات التي قدمتها ولازالت.
بعد سنوات على هذه الكذبة تبيَّن أن لا علاقة للسعودية بصفقة القرن، وأن كل ما جرى كان استهدافًا ممنهجًا الغرض منه الإضرار بالمملكة، وليس الانتصار لفلسطين، لازال الموقف السعودي ثابتًا لم يتغير، وهو بأن لا تطبيع بدون حصول الفلسطينيين على كامل حقوقهم، خرجت المملكة مرفوعة الرأس لم تدنس تلك الحملات ثوبها الأبيض الناصع، أما عن الرؤية فهي تحقق نتائج باهرة وتزداد قوةً وثباتًا.
نقل عن الرئيس الآمريكي السابق “جيمي كارتر” قوله بأن السعوديين هم الوحيدون الذين يقولون في العلن ما يقولونه في محادثاتهم الخاصة، أنا أضيف أنهم يكسرون تلك القاعدة في حالة واحدة، عندما ينفقون لوجه الله تعالى يفعلون ذلك سرًا وسرًا فقط.
—————
كاتب موريتاني.