بمجرد صدور بيان وزارة الداخلية، برفع القيود والإجراءات الاحترازية؛ إلا وهب الكثير من الناس للتعبير عن فرحتهم بانكشاف الغمة، وعودة الحياة إلى طبيعتها، ومما يلفت الانتباه فرح الكثير برفع القيود عن الحرمين وعودة الاصطفاف في الصلاة، ورفع الطاقة الاستيعابية إلى الحدّ الأقصى، وكان من أجملها مقطع الرجل الذي وزع المال على العاملين في الحرم، فعند التأمل في مشاعر الناس وهذا الفرح كانت لي وقفات:
الوقفة الأولى: رجعت بي الذاكرة للحالة النفسية التي عشناها مع بداية تطبيق الإجراءات الاحترازية وحظر التجوال، فقلت: ما أجمل الحرية والعيش في سلام على هذه الأرض، فكم من شخص طريح الفراش لا يقوى على الحراك وينتظر من يدخل عليه ليؤنسه أو يحدثه عما يدور بالخارج، وكم من طفل يعيش الرعب والخوف وليس له من الأمر شيء سوى أنه من جنس البشر.
الوقفة الثانية: هي رسالة تحذير من أولئك الأشخاص المغرضين الذين ليس لهم هدف ولا مطمع إلا الانتقاص والسخرية وشن الحملات والهمز واللمز بكل ما يقدم، وأنّ الحرمين لم يُغلقا إلا لأهداف وأغراضٍ شخصية وغيرها. فها هما الحرمان فتحا أبوابهما فادخلوا من أيهما شئتم، وقولوا لأمثال هؤلاء: نحمد الله ونشكره إذْ لم يولّكم أمر المسلمين.
وأما الثالثة: فجعلتها عنوانا لمقالنا وهي حصار النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، مسلمهم وكافرهم في شعب أبي طالب فقلت: كيف هو حال النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل على عمه أبي طالب فرحاً يبشره برفع الحصار وأن دابة الأرض أكلت الوثيقة ولم يبق منها إلاّ: “باسمك اللهم”، وذهب أبو طالب إلى قريش بكل ثقة يخبرهم بذلك، وقال لهم إن صدق ابن أخي فارفعوا عنّا الحصار، وإن كذب فسوف أُسلِّمه لكم، فذهبوا إلى الوثيقة فوجدوها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا انتهت قصة الحصار بكل مآسيها من جوع، وعطش، وجهد، وتعب، ومع كل هذا لم تكن سببًا لدخول بعضهم في الإسلام وعلى رأسهم أبو طالب فمات على الكفر. فتأمل!
وعلى أية حال: الأزمات والابتلاءات تصنع الرجال وتزيد الإيمان، وما إلى ذلك من التآخي والتآلف، فلو لم نخرج من حصار كورونا إلا بما لمسناه من حرص لولاة الأمر على الشعب، وما رأيناه من التزام بتطبيق الأنظمة والإجراءات حرصًا على عدم إصابة أحد بالعدوى وماقدمه شبابنا من أعمال خير وتطوع، لكفانا ذلك.
همزة وصل:
الجلد الفاخر يبلى، والعمل الصالح يبقى.