د. عبدالله علي النهدي

رفقًا بالحمير..

ثمة حكاية مفادها أن الفيل هرب من الغابة فسألوه: لماذا هربت! فأجابهم بأن الأسد قد قرر قتل جميع زرافات الغابة، فقالوا له ولكنك فيل ولست زرافة؛ فقال: أعلم ذلك ولكن الأسد قد كلَّف صديقه الحمار لتنفيذ هذه المهمة! وكيف يفهم الحمار أنني فيل ولست زرافة؟ المقصود من حكاية الفيل الفهيم؛ إنه عندما يتم تكليف الحمير بإدارة مهمة ما؛ فربما يكون الهروب هو أفضل وسيلة للنجاة من عواقب قراراتهم الغبية وتصرفاتهم السخيفة! لكن في المقابل يبقى السؤال الأهم: لماذا التجني على الحمير؟! فخلال قرون من الزمن وعبر التاريخ الطويل، وربما في كافة الأوساط الاجتماعية ظل الحمار مقرونًا بصفة الغباء وعدم الفهم، رغم أنه لا يوجد سبب منطقي أو إثبات علمي للربط بين الحمار والغباء؛ بل إن الواقع يؤكد أن للحمار ذاكرة قوية فهو عندما يهرب من صاحبه، ويغيب ليوم أو عدة أيام تراه يرجع تلقائيًا إلى صاحبه؛ وتحديدًا إلى مربطه الأمر الذي يعد دليلًا على ذكائه.

بل إن هذه الذاكرة أهَّلت الحمار بأن يكون أقدم خبير ومرشد للطرق سواء من خلال اختياره أسهل الطرق أو من خلال حفظه للطريق وذهابه وعودته للأماكن المراد الوصول إليها بدقة، وقد سبق في ذلك خبراء خرائط غوغل بقرون طويلة؛ إضافةً إلى أن هناك من القدماء من ذكر أن الحمار يتصف بالحكمة والمتعاملين مع الحمير يعرفون حق المعرفة أن أحدًا من البشر لا يستطيع أن يفرض على الحمار أن يؤدى عملًا يستشعر الحمار أن وراءه خطرًا يهدد حياته. فالحمار لا يقترب من مواقع الخطر، وله مواقف خالدة تشهد بإنقاذ عدد غير قليل من البشر قبل أن تطأ أقدامهم تربة وحلة أو رمالًا متحركة أو سلوك طريق مهدد بسقوط الصخور؛ فلن يدفع الحمار بنفسه إلى التهلكة مهما بلغت قوة وشراسة من يحاول أن يدفعه إلى عمل شيء يشعر بخطورة عواقبه، فعناد الحمار يحميه من المخاطر، ويكفل تأمين الطريق لصاحبه.

والأغرب من ذلك أن الكثير من الأخطاء التي يتكرر وقوع الناس فيها نجد الحمار أشد حذرًا وتجنبًا لها، وهناك مقولة تنسب للشيخ علي الطنطاوي -يرحمه الله- يقول: بأن الحمار إذا سقط في الحفرة مرة، يجتنبها فلا يسقط فيها مرةً أخرى، بينما الإنسان يسقط في الحفرة الواحدة خمسين مرة، ثم لا يجتنبها ولا يبتعد عنها. ومع كل ذلك كان ومازال لفظ الحمار يعد أكبر شتيمة عند كثير من الناس، فإذا أراد شخص أن ينتقص من شخص آخر نعته بكلمة حمار، وربما تسأل شخصًا عن رأيه في فلان من الناس؛ فيجيبك بأنه حمار لمجرد أنه يختلف معه لأي سبب كان، وبغض النظر عن موقع ذلك الشخص المنعوت بالحمار وأيًّا كانت مكانته الاجتماعية أو العلمية أو المادية أو الثقافية أو الوظيفية. والغريب في الأمر أنك قد تجد ذلك الشخص الذي ينعت غيره بلفظ “حمار” ربما يتمنى أن يصل إلى مرتبة ومكانة ذلك الحمار، عفوًا أقصد يتمنى الوصول إلى منصب ذلك الشخص الذي سبق وأن نعته بكلمة حمار. لذا أرى أن من الإنصاف إذا أردنا وصف شخص معين بناء على سوء سلوكه أو قراراته الغبية بأن نصفه بالغبي مباشرة دون الحاجة إلى تجريح الحمار، وعلى الأقل حتى تثبت إدانة الحمار علميًا بالغباء. إضافةً إلى أنه إلى يومنا هذا وعدد من العلماء يرون بأن أغبى حيوان هو وحيد القرن؛ لأنه عندما يقع في شباك الصيادين لا يفكر في طريقه للخلاص بنفسه بل يثني قرنه في بطنه وينتحر.

حقيقة:
إن أفدح ثمن تدفعه أي مؤسسة من جراء عدم اختيار الشخص المناسب هو هروب الخبرات والكفاءات التي تجد طريقها سريعًا إلى مؤسسات أخرى، والكثيرون جاهزون لتلقفها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button