منتدى القصة

الناي

قصة قصيرة
الإهداء : إلى الشاعر القدير / حسن أبي علة

أتفيأ شجرة شثٍّ تفرعني طولا ، وتمد ظلها غير بعيد من خُفيّ ، محتبئٌ تحتها ، وعصاي تنقر إيقاعا على حجر كرأس كبش كُسر قرناه ، بين كل نقرات ثلاث ثم خمس أستدني غصنا من شجرة الشثّ ؛ ليبلغ عني وشوشة تلتفت بها غنيماتي نحوي ، فأطرب لفعلي واستجابة غنيماتي التي تبدو حولي كنِدف سحاب على على خضرة تكسو مثانيَ الجبل المسطر بمدرجات الذرة و البن !
صوت غصن الشثّ إذا أطلقته من سطوة عصاي ، و ألحقته بنقرتين ثم ثلاثٍ ، يأخذ الشياه بعيدا عن مدرج الذرة ؛ فلا تأتي على جهد فلاح ينتظر ساعة الصرام !
من خلفي أسمع ثغاء ليس لأغنامي ، أطرقتُ وقلت لنفسي أغنام فتاتي ! فنقرت ثلاثا ثم ثلاثا و أستدنيت الغصن لتسمعني !
لكن لم تسمع ! و شجىً ينفثه راعٍ من قصبة أسكت نقر عصاي و صوت الغصن ، وتسرب فيّ إلى الأعماق نفثةُ مصدور ، لم يحسن أن يبكي وحده ، أو يشكو شجواه بحروف المعجم ، أفلتُ عصاي و أصغيتُ لدمعي ، ونظرت إلى الآفاق ، صوت الناي يمتد طويلا نحو الوادي ! لا ، يصعد .. يصعد .. يلتف على حصن ( العبسية ) ، تأتي الغيمة لتلاقيه ، يلمع برق يهوي بي في الأعماق ..
أغصان الشثّ توسوس بصوت منساب نحوي ، تتمايل ذرة المدرج ، وشجيرات البن تسمع مثلي ، ستجود بقهوتها لا شكّ بين الهاون والنار ، الأغنام تصغي مثلي ، ربّ الناي لا يفتر ينفث في سمعي إيقاعا يأخذني للشعر ، أنقر بعصاي نقراتٍ لي لا للأغنام ، أجتثُ بها من صدري بوحا :
” أسمعتَ يا نايُ فاحكِ .. أسمعتَ يا نايُ فاحكِ ” ..
تركتُ محتبئي و الشمس تؤذن بالغياب ، سقتُ أغنامي بإيقاع غير الذي تعهده ، خطوي قصير ، و أغنامي تتبعني تأخذ يمنة ويسرة مثلي و أنا أدندنُ : ” أسمعتَ يا نايُ فاحكِ.. أسمعتَ يا نايُ فاحك ِ.. واسكبْ دموع التشكي ..وأأُسكبْ دموووع التشكي ” !

رفعتُ صوتي بالمطلع حتى إذا اختلط بثغاء أغنامي و صوت سِخالها ، صمتُّ كيلا يرى أبي دموع التشكي !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى