المقالات

هل ممكن أن يحمل الاختلاف رسالةً غير الفراق؟

خيَّم الصمت المكان، وطالت الثواني في انتظار كلمة توحي ولو من بعيد أن مشاعر الحب والوئام بينهما أكبر من لحظة الاختلاف..
لكنها لم تأتِ، وظل الصمت سيد الموقف يشي برسالة مبطنة أن الفراق هو الحل السريع.
يا صديقي حينما نختلف مع الآخر يُتوقع أن نكتسب خبرة في التعامل معه، وفهم لحيثيات المواقف وردود الفعل المتوقعة من كلٍّ منا.. وليس أن نفترق.
إننا إذا افترقنا عن كل من نختلف معهم قد ينتهي بنا المطاف إلى الوحدة الإنسانية، تلك الوحدة التي لا يتحملها الإنسان بحكم كونه كائنًا اجتماعيًا جُبل على الحياة في وسط اجتماعي.
إن تركيز الرؤية على نقاط الاختلاف والإساءة في الآخرين قد يجعلنا لا نجد شخصًا نحبه ممن حولنا؛ لأننا جميعًا بشر تكتنفهم جوانب من الزلل والخطأ.
في المقابل فإن التركيز على مواقف الوئام والعطاء النفسي يوجهنا نحو رؤية الخير في الآخرين، وتأكيدنا عليها بالتعبير اللفظي مثلًا: إننا دومًا ما نسعد بذكرياتنا معهم، أو أننا نتذكر دعمهم في موقف كذا.. يستثير تلقائيًا بداخلنا مشاعر من التقدير لمواقفهم تلك مما قد يُضعف نقاط الاختلاف في أعيننا، ويسهل محاولات التكيف الناجح معها، كما يستثير ذلك بداخل من حولنا المشاعر الإيجابية نحو ذواتهم أولًا ونحو علاقتنا بهم ثانيًا؛ وبالتالي تتأكد أواصر الحب.
إن المحافظة على استمرارية الحب في علاقاتنا الإنسانية سواء مع الوالدين أو الأبناء أو الأزواج أو الأصدقاء والمعارف يعطي عُمقًا للعلاقات بين البشر، ويقرب المسافات ويحجم الاختلافات.
إن الحب يضيف لنا شيئًا من المرونة النفسية في تفهم الاختلاف وتقبله، كما يجعلنا نسع أنفسنا والآخرين بصورة أكثر وضوحًا كما افترض آرثر آرون وألين آرون من أن انفعالات ومعارف وسلوكيات الحب تُعد بمثابة الوقود لتوسيع الذات.
وقد قيل في أحد الاقتباسات: “ربما لا يكون الحب ضروريًا للحياة، ولكنه ضروريًا للسعادة. إن الحياة دون حب تشبه فيلمًا بالأسود والأبيض مليئًا بالأحداث، لكنها دون أن تعطي الحيوية وتوفر فهماَ للأحداث”.
إذن ما الذي يجعل العلاقات تنمو وتزدهر، وأي المهارات الجديرة بالالتفات حول إتقانها وممارستها؟
إن عالم النفس الاجتماعي جون هارفي ورفاقه وضعوا نموذجًا يتكون من خمسة مكونات للعلاقات السليمة، يسعى هذا النموذج لتعزيز العلاقات وزيادة قربها وتحقيق الرضا لكل طرف منهما.
أشار هذا النموذج إلى أن العلاقات التكيفية تشتمل على مايلي:
– سعي كل طرف في العلاقة إلى معرفة الآخر، وأن يعرفه الآخر أيضًا.. بمعنى تبادلية المعرفة بينهما على سبيل المثال معرفة أحلام وآمال ومخاوف وحساسيات وشكوك كلٌّ منهما.
– استخدام المعرفة المكتسبة سابقًا في تحسين العلاقة بينهما من قبل الطرفين.
– قبول كل طرف ما عرفه، واحترام الآخر كما أن قبول نقاط القوة والضعف، ومن ثم احترامها بمثابة مضاد حيوي يحمي العلاقات من التفكك.
– وجود دافع لدى كلا الطرفين للاستمرار في هذه العلاقة، والمحافظة المستمرة على إبقاء ذلك، ومن ثم ينشأ التآزر في الأفكار والشعور والفعل، ويتم ذلك بتفحص كلاهما لأهداف واحتياجات الآخر.
– تطوير كلا الطرفين في الوقت نفسه الإحساس بأن كلاهما مقدَر وخاص لدى الآخر.
بينما أشار نفس هذا النموذج إلى أن العلاقات غير التكيفية تشتمل على ما يلي:
– أحد الطرفين أو كليهما يبتعد عن معرفة الآخر أو أن يعرفه الآخر.. بمعنى نقص في تبادلية المعرفة بينهما.
– عدم استخدام المعرفة المكتسبة، أو إساءة استخدامها على سبيل المثال استخدامها في إيذاء الآخر.
– انخفاض القبول في المعرفة من أحد الطرفين أو كليهما وكذلك الاحترام بينهما.
– عدم وجود الدافع لدى أحد الطرفين أو كليهما للعناية الكلية أو تذبذب ذلك وعدم استمراريته، ومن ثم ينشأ القليل من التآزر بينهما.
– عدم تطوير كلا الطرفين أو أحدهما الإحساس بأنه مقدر وخاص لدى الآخر.
من الجدير بالذكر أن هذا النموذج وُضع في العلاقات الرومانسية بين الشريكين، ولكنني أرى أن ماذُكر به يتسع لأكثر من ذلك..
فقد يشمل الكثير من العلاقات الإنسانية الأخرى، ومتى ما تم استخدام مهاراته في العلاقات البشرية قد يساعد الإنسان في تحقيق الكثير من السلام والوئام الإنساني.
حينما نختلف مع من نحب؛ لنجعل ذلك وقودًا نكتسب به استراتيجيات لتحسين المواجهة في المرات القادمة.. انظر للاختلاف كما كنت تنظر إلى لعبة تتحداك وأنت طفل.. أكنت تهجرها حينما تخسر الجولة الأولى أم كنت تحاول وتجاهد في الفوز والكسب.. ولا تفترق ياصديقي إلا حينما تغلق كل السبل وكل الحلول الممكنة.. ليس كل من نغادره اليوم نعوضه غدًا.

Related Articles

5 Comments

  1. “انظر للاختلاف كما كنت تنظر إلى لعبة تتحداك وأنت طفل.. أكنت تهجرها حينما تخسر الجولة الأولى أم كنت تحاول وتجاهد في الفوز والكسب”

    المقال جميل جداً، يلقي الضوء على موضوع اجتماعي مهم كثقافة الاختلاف، فالاختلاف ظاهرة صحية وليس إعلاناً لبداية الحرب، وقد قيل:”الاختلاف لايفسد للود قضية”

    دمتِ في أمان الله ياصديقتي.

  2. ماشاءالله تبارك الرحمن مقال جميل وواقعي
    أفكارك رائعه وجميله ، موفقه ومسدده إن شاء الله

  3. يشرفني مروركم الكريم لاحرمنا الله دعمكم. ممتنة لصادق دعواتكم أكرمكم الله والمسلمين أضعاف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button