رائحة القهوة ورائحة المطر شيئان يصعب استنساخهما ويُغري اجتماعهما، وحسبك من النعيم هما.
“يُقال” أن العالم يستهلك 3 مليار كوب يومياً من القهوة، وأن الأكثر استهلاكا في هذا التجمع الكبير هي فنلندا وأخرهم استهلاكا ضمن العشر الأكثر هي كندا.
و“يقال” كذلك أن الأوروبيين هم من يتربع على عرش الأكثر استهلاكا من بين القارات، ووفق تلك الدراسات، ومن خلال تلك القصة القصيرة يمكن رفع الاستغراب في ارتفاع معدل الاستهلاك المحلي مثلاً حتى وصل قرابة30% خلال 2020م وعليه فإننا لسنا بدعاً في الإغراق.
يميزها البعض بأنها ناقوس الانطلاق، فهي في نظرهم بداية اليوم، وانطلاقة المساء، وتوجيه ضمني للانعتاق من الضوضاء الى السكون، والعكس كذلك في حين واحد، فهي عدة المستكين وعتاد المنهكين، وبهذا فهي عجيبة في فرض الأضداد، وتطبيقها حرفياً في كل واقع تدخله.
أليست معين في ذلك الزحام؟! وهي كذلك بذات الكفاءة في غاية الهدأة والسكون.
وهل لطاولة العشاق من زينة بغيرها؟
لن تجد أفضل منها لتصون بها مزاجك، وتنشط بها عقلك، وتحفظ بها روحك من سهام المادة الطائشة ومتلفات الجهد المتواصل.
ذاعتْ وكان بها السواد مهلّـــلاً**** وبها سما وإلى العلا مستوفَــــــدا
لما حكتْهُ وكان عنها مخبِـــــراً**** حتى البياض دعا ليصبح أســـــــودا
تلك البذور المحمّصة وتلك الإضافة التي نحدثها نحن كلٌ بحسب ثقافته وذائقته، ومقدار التعدد في المنتج بأصل واحد يحكي لنا استيعابها لذلك التنوع الموجود، فبذرة واحدة تعطي أكثر من نتيجة باختلاف أيدي الصناع وذائقة المستهلكين، وبذلك اتسعت شعبيتها ورقعة طالبيها.
احتياجك للقهوة يوازي احتياجها لك ربما، وخاصة حين تستشعرها كياناً وتبادلها روحاً.
كثيرا ما كانت علاقة الإنسان بالقهوة علاقة أرواح وهذا جليّ في خطاب الشعراء والكتاب ومعاملتها كـ نسخة أخرى من بشريتنا المتفاعلة.
بعيداً هناك، وعطفاً على الأنسنة الضمنية، فقد أدخلت العلمانية الإنسان ضمن “التشييئ” على حد قول “المسيري” وبات شيئاً كغيرة من الأشياء، ولست هنا للإقرار من عدمه، ولكن من باب الإنصاف فإننا نطالب بـ “أنسنة” القهوة وهذا أقل ما يمكن أن تأخذه تلك القاتمة في هذا العالم المتأنسن، وإذا ما بات الناتج وحقيقة التأثير هما محل التقييم ومناط الحكم فلا أحسب أن يتعداها أحد في ذلك السباق.
ولعلها أولى بذلك الحكم متى أقررنا بقدرتها فيما لم يستطع الإنسان ذاته أن يصنعه بكل دقائق إنسانيته.
ربما هناك عدد لا بأس به ممن لا يفضل القهوة، أو ربما لا يحبها أصلاً، ومع ذلك سيتّفق مع من يحبها أن رائحتها هي الأجمل، وأن ذوعها في ذلك المحيط تكسبه صفة حسنٍ لا تحصل بغيرها، وانتعاش يسبح بك في فضاء رحب لا تتمنى معه سوى البقاء.
ختاماً…. نرتب بها متبعثر الروح ونستجمع بها متفلّت الشعور، وتهبنا نعيم الدفء، وتنعش ميت الجوف، ومع ذلك ليست إنساناً؟!!!