مازلت والله في جهلك القديم، مازلت في سواد ظنك الجسيم، مازلت في لهفة لحقدك العقيم. لم يكن لماضي السنين عندك يسير عبرة، ولم يكن لذكرى ألم الأحداث لديك قليل عظة، ولم يكن للعهد العتيق منك أي رغبة. لا تصدق القسم بالله على حبك الدائم، ولا تدرك معنى الحلف بالله على عشقك المتناهي، ولا تستيقن مداركك عظمة الوعد الأمين. وكأنك خلقت هكذا؛ لتعبث بالحب العظيم مع من أحبك، كأنك تخلو من المشاعر الجميلة فلا تشعر بالصفاء مع من اصطفاك حبيباً، كأنك لا تعرف حقيقة الأحاسيس المرهفة؛ فلا تدرك الوفاء مع من هام بك. كأنك تستمتع بمجمل تفاصيل عذابات القسوة والهجر وكل سطور الجفوة. ارحم حالك قبل أن ترحم حال الآخرين فقد أزهقت روحك البريئة بالخيالات الواهية، وأرهقت قلبك بالأفكار الضالة، واتعبت نفسك مراراً وتكراراً بالوساوس القاهرة. لست جاهلاً؛ حتى تتعلم معاني المواثيق الراسخة، ولست ساذجاً؛ حتى تفهم أن الإنسان يعود ويصفح بعد سوء فهم، ولست قاصراً ؛حتى تنتظر السنين؛ لتمضي بك فتكبر. أسألك بربك متى تعود إلى عميق رشدك فقد كنت تتسم بوقار الحكمة، عد إلى سابق وقتك فقد كنت تتصف برجاحة العقل، عد إلى تمام اتزانك فقد كنت تتمسك بسلامة المنطق.
إلى متى يا من أهواه تظن أني سوف أصبر فقد سئمت من تصرفاتك المتكررة، إلى متى يامن أغليه تعتقد أني سوف أترجاك فقد مللت من توسلاتي لك، إلى متى تظن يامن أفديه أني سوف أتحمل فقد تألمت كثيراً من أفعالك.اعقل قبل فوات الأوان فقد أعتراك الغرور من أعلاك إلى أدناك، اعقل قبل رحيل الحب من فؤاد الحبيب الأول، اعقل قبل أن تصبح الأوراق الخضراء المكتوبة دما مجرد حبر أسود بائس. تبصر فيمن حولك فقد كثرت الآلام الشاقة، تبصر فقد رحلت عمن حولنا الآمال السعيدة، تبصر وخذ من الآخرين عظة نافعة. فقد يكون للتعاسة إذا أصررت عنوان في حضرة بهجة الحياة، وقد يكون الحزن إذا كابرت في مقدمة الحروف المنقوشة في وريدي، ويكون الجفاء إذا أردت سمة فارقة بين اسمين متحابين. لاتغضب فقد بُحت لك بما في عمق خواطري من الألم والكبد؛ لا تزعل فقد أسررت لك مافي جوف دواخلي من الكمد والكدر، ولا تجني على مسرات حياتي فقد لا احتمل والله المزيد من الشقاء والعناء في أعماق أنفاسي وتتساقط أمامك قواي؛ وقد لا أطول البقاء. وليتك تتذكر أول اللقاء العابر وجماله حين كان البهاء يعلو كامل محياك، وحين كانت الوعود الحالمة تنهال منك على مسامعي، والأماني الساحرة لا ينقطع سردها منك إلي. وهنا علها رسالة عتاب محب وصلت ولن يجدي بعدها العذر والسماح.