تعدُّ التيارات الفكرية آفة العصر؛ وذلك لكونها تهدم المجتمع وتؤثر عليه، ويتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها ونقلها حتى تصل إلى أكبر شريحة ممكنة، وهو الأمر الذي يهدف من خلالها لتشويه السمعة والتشويش على المجتمع من خلال تضليله، وعندما يكون المجتمع غير واعٍ أو غير محصَّن فكريًا يتم التأثير عليه والتحكم به، ومن هذا المنطلق يجب أن يتم تأليف منهج في الأمن الفكري، ويتم ذلك من خلال متخصصين ونخبة من الأكاديميين؛ بحيث يكون المنهج له دور كبير في إحداث وعي للطلاب والطالبات سواء في قطاع التعليم العام أو الجامعي من خلال الاستعانة بجهة حكومية متخصصة في هذا المجال، أما المجتمع وهو جوهر الدول تخصص له برامج تحلل مضامين التيارات الفكرية، وتوضح له الأفكار الهدامة وما المغزي منها؟!
ولعل المفهوم الواسع للأمن بشكل عام يستجلب لنا مدى أهمية الأمن الفكري على وجه الخصوص؛ وذلك لما يشكله من ضرورة توفير الحماية للعقول خاصة العقول الناشئة والتي تتأثر بعوامل عدة، وهو الذي يجعلنا أمام مسؤولية جسيمة في مواجهة خطر مصادر التهديد على الأمن الفكري، خصوصًا في ظل ما تشكله الفئة الضالة والجماعات المتشددة وانحرافات التيارات المختلفة من استهداف ممنهج تجاه منظومة المجتمع، وهذا الذي يجب من خلاله ترسيخ الأمن الفكري من حيث تحصين كافة شرائح المجتمع، والعمل على إيجاد رؤية واضحة وجلية ذات استراتيجية تحدد كل فرد من أفراد وشرائح المجتمع.
إن ما يشهده العالم اليوم من تقدم مضطرد وبشكل غير مسبوق في الشبكة العنكبوتية، وهو الأمر الذي أصبح هذا الكوكب قرية صغيرة، يستوجب علينا فيه العمل على إيجاد الأمن الفكري كمنهج حياة قبل أن يكون أمر يتعلمه الأبناء أو المجتمع ككل؛ خاصة في ظل تشابه الملابسات والظروف لطبيعة الإنسان في شبكة الإنترنت، والذي أصبح مرتعًا خصبًا في نشر أي ثقافة مهددات ذات مدلول فكري، من حيث إشاعة الفتن والقلاقل أو من خلال إثارة وزعزعة الأوطان والمنظمات، وهذا الذي يجعل المجتمع وعلى رأسهم أبناءنا عُرضة الاضطراب الفكري خاصة مع قلة علمهم، ومحدودية حصانتهم العلمية والفكرية في كثير من الأحيان.
إن الأمن الفكري أداة فعالة وواجب يشترك في نجاحها كافة الأجهزة والمؤسسات والهيئات للدول وعامل مهم في غرس القيم المُثلى والمبادئ الإنسانية القويمة، والتي تعزز روح الشعور بالوطنية والولاء والانتماء الصادق، والأمن الفكري يعد خير من يقف بوجه كل من يتبنى المنهج الشيطاني المنحل وأمام أرباب المنهج التكفيري المتطرف، وهذا الأمر يجعلنا نستعرض مدى أهمية كذلك تحصين رجال الإعلام من الناحية الفكرية، بحيث يؤدون رسالتهم دون أن يتبنوا أيديولوجيات ذات مدلول فكري منحرف، تجعل منهم فريسة سهلة للعدو في توجيه أقلام البعض منهم تجاه أوطانهم، وهو الذي يكلف تبعات قد تهوي بمعتقداتهم الفكرية الواهية في بوتقة الخيانة، وبيع الأوطان بثمن بخس.
إن سلامة الأمن الفكري من سلامة الأمن العقائدي، من حيث سلامة المنهج والذي بدوره يؤدي لسلامة الفكر وجودة التفكير من المنغصات والشوائب، فلذلك الدور يجب أن يكون واضحًا في محتويات كافة وسائل الإعلام من خلال تعزيز التحصين الفكري لدى كافة أفراد المجتمع، خاصة للشباب والنشء، لا سيما في ظل وجود القوة والنفوذ والتأثير لهذا القطاع المهم، وهو الأمر الذي يقع أيضًا على عاتق المؤسسات التعليمية في تعزيز مفهوم الأمن الفكري، والعمل بقوة وحزم في تصحيح الأفكار المشبوهة، من حيث الإسراع في الإقرار في توصيف مناهج علمية وتأصيلية، بحيث تحافظ على النسيج الاجتماعي، وتقوية أواصر اللحمة الوطنية الغراء.
———————
ماجستير في العلاقات العامة