أو ما يسمى “بدوخة الحرية” وحول ما يرمي إليه كيركيغارد جوانب عدة ومفاهيم متلاطمة، ولكن سنكتفي بزاوية أضيق مما جسدته تلك المقولة وما تناولته ثقافتنا من ارتباط الحيرة بالتخيير،
هل للحيرة أن تغزوا أحكامنا لو انعدمت الخيارات؟!!
قول واحد ستنتهي الحيرة بانعدام الخيارات، وهي طبيعة ظاهرة تستغني عن مزيد استبيان.
تحتار كثيراً في تسمية مولودك الأول لتعدد الخيارات، ولا تأتيك الحيرة في إضافة الضمير بين مخاطب ومخاطبة وفق ما صنعه وجوده الخالي من التخيير، فطريقة الخطاب قد قُررت مسبقاً بلا خيارات.
وحين خرجتَ من الصف السادس لم تحتر أبداً، فالمرحلة المتوسطة هي البوابة القادمة ولن تقول كذلك حين تتخرج من الثانوية مثلاً، وقس على هذا الكثير.
ولتخفيف وطاءة الحيرة، والخروج من ثقل ملامة المستقبل، شُرعت الاستخارة، وكأنها تفويض من مرهقٍ بجهله إلى مدبرٍ بعلمه، كما أنها شارحة لنقائض الوجود بين الجهل المطلق والعلم المطلق، وتشي بشيء من التسليم لبعض القرارات الخاطئة، التي نرتكبها بين الحين والأخر، وننجرّ إليها بعلم.
الاستخارة لا تعني فتح أبواب الغيب فتعرف الحسن من غيره، وليست إيداع شيء من علم الخالق في المخلوق، بل هي صنيعة قدر بالمقام الأول بين تسهيل الوصول وإن صعب، وتصعيب ما سهل، فتستخير في أمر تجد نفسك اطمأننت له نظراً لما تم تعبئته فيها سلفاً، ولكن المشيئة عاكست ذلك، وربما تتصابى أكثر، فتجد نفسك تعاتب القدر بطريق أو بآخر وتجتهد في شرح ذلك التعقيد ونثر تلك الشكاة، مع أنك فوضت ذلك لمدبره وقد كان في قدر الله أنه ليس بخير، فتحول السهل إلى عسير ممتنع ومحال لا ينال، وتكون كذلك في (عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في خيراً كثيراً) فترى عجائب القدر في تسهيل ذلك الطريق وكأنه لم يخلق إلا لك ولم تخلق إلا له رغم تحجيم اندفاعك وموت حماستك .
“استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك” ربط بين ما في حكمنا وهو الاختيار وما في حكم الله وهو القدر، وهذه غاية التسليم وغاية الانقياد وكم هو جميل أن ينصاع الواقع لتلك المطامع قدراً ويستجيب لها، وهذه نقطة بيضاء في سجل الحياة لا تتكرر كثيراً.
“إذا أردت أن تُضحك الرب أخبره عن خطتك” وهذا المثل الإسباني في وجهة نظري يحكي نقص الجاهل أمام كمال العلم، إذ كيف يزف الجاهل مالا يعلمه إلى من يعلمه، بل ويعلم دقيقه قبل كونه ومالم يكن لو كان.
هذه هي الخيرة الممنوحة من صاحب العلم المطلق، ومالك السلطة العليا، وستبقى دائماً الخيرة فيما يختاره هو.