التحولات الكبيرة التي تعيشها السعودية والمنطقة ليست عرضية، ولا هي نتيجة للصدفة، الدور القيادي للمملكة الذي يبرز شيئًا فشيئًا، وتتضح معالمه هو جزء من قرار تم اتخاذه على أعلى مستوى في القيادة السعودية، هو قرار خادم الحرمين الشريفين بأن تتبوأ المملكة مكانها الطبيعي والمستحق في الإقليم وفي العالم كله، خوض عاصفة الحزم والعمل على رؤية ٢٠٣٠ في آن واحد ليس عملًا يسهل القيام به، الدول التي تتمتع بمؤهلات القيادة وحدها يمكنها خوض تجربة بناء السلام والازدهار، وفي نفس الوقت خوض الحرب لترسيخ البناء والسلام عند الضرورة، أصبح واضحًا أن السعودية ستمد يد التعاون في بناء المستقبل لمن يرغب، وستضرب بيد أخرى من يهددون أمنها وأمن عُمقها العربي والإسلامي، هناك من التقط الإشارة وعمل على الالتحاق بسفينة المملكة المبحرة نحو المستقبل، وهناك من اختار أن يقف في الجانب الخاطئ من التاريخ.
الإجراءات السعودية والخليجية الأخيرة تجاه حكومة لبنان التي تسيطر عليها مليشيا حزب الله، وتعمل وكيلًا لإيران هي إجراءات محلية التأثير لكنها عالمية الدلالة، هي رسالة لبقية الوكلاء ومشغليهم بأن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن السعودية لن تمرر أي محاولة لزعزعة أمنها أو الإضرار بها دون عقاب مناسب.
النجاحات التي تحققها دول عربية أخرى اختارت التحالف مع المملكة هي أيضا رسالة من نوع آخر هي رسالة تقول بأن الطريق السعودي هو وحده المؤدي إلى المستقبل، يقول المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز بأن السعودية عسل لمن أراد صداقتها وسم لمن أراد عداءها، تتضح صدقية تلك المقولة مع الوقت، بات لدى الجميع إمكانية الاختيار بين أن يكون في صفها أو أن يختار صف أعدائها في الحالتين سيحصل على نتائج تناسب اختياره.
أحد أسباب الربيع الدموي في المنطقة هو غياب الدور القيادي للدول العربية الوازنة، وأحد أهم أسباب انحساره هو الدور الذي قامت به السعودية لملء ذلك الفراغ، أصبح أعداء الأمة يدركون أن هناك دولة ذات ثقل تاريخي وسياسي واقتصادي وعسكري لن تسمح بالعبث في أمن المنطقة مرة أخرى، وهو ما كان يفتقده العرب طوال عقود، لقد أصبحت لنا جزرة وقاطرة للتنمية لمن أراد السلام كما أن لنا عصا لمن يريد العبث والتعدي على مقدرات وثوابت الأمة.
على الجميع وكلاء وأصلاء أن يدركوا بأن تلك الدولة التي منها بدأ الإسلام، وفيها منبع العروبة تقدم السلام والتنمية لمن يريدهما، ويمكنها خوض عاصفة حزم لكل من سوَّلت له نفسه التعدي على المملكة أو الإضرار بعمقها، في الحالتين على الجميع أن يضبطوا ساعاتهم على توقيت الرياض.