المقالات

مسؤولية الكلمة

“غالبًا ما نستهين بقوة اللمسة أو الابتسامة أو الكلمة اللطيفة أو الأذن الصاغية أو الإطراء الصادق أو حتى أبسط أشكال الاهتمام، على الرغم من أن جميعها لديها القدرة على تغيير حياتنا للأفضل”.
هذه هي الكلمة لدى البروفسور الأمريكي ليوبوسكاليا وربما هي كذلك لدى الكثير ولابد للجميع من تجارب متقاربه مع تلك الكلمة بين البناء والهدم.
قبل أن نخوض في الكلمة نلمح سريعاً الى الذين جعلوا من عقولهم وقلوبهم مسرح للغرباء، ومكان صالح للاستيطان>

وهل كل من أذن لك يجب أن تقيم له؟!!!!!
للأسف نعم فأولئك الذين جعلوا من ذواتهم مادة تتشرب كل ما ينكفئ عليها، وقاعدة لكل كلمة حامت ولم تجد مهبطاً تقرّ فيه، فسهُل على الحمقى التأثير مع أن الطبيعة ترفض تأثير الحمقى -أو هذا ما ينبغي-، ولن نركز كثيراً في خلفية الضحايا وطبيعتهم ولعلها تستحق مقالاً منفرداً في قابل الأيام، ولكن يهمنا تلك الكلمة.
يقرر لنا التاريخ تأثير تلك الكلمات، وحصيلة ما ننطق به على ذواتنا بالمقام الأول، وعلى كل محيط ننثر فيه كلمة، وهذا يوسف عليه السلام لم يتغير حاله ويخرج من السجن ويستعيد عافيته إلا بعد الكلمة (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) إذ لم يصبح مكيناً أميناً لجماله مع أنه حينها أجمل الخلق، ولم يحوز ذلك لصلة يرقبها العزيز في نبيّ، ولكن كانت نتيجة للكلام الذي دار بين الاثنين فاستحق بمنطقه وبيانه أن يكون كذلك، وهذا كله في عاقبة كلمة كان مطلقها هو من وقعت فيه، وهناك الكثير مما ينطلق متعدياً لغيره، وربما تاريخنا مع تلك الكلمات تاريخ عريق، فردود الأفعال وما صنعته فينا هو في الحقيقة من صَنَعَ ذلك التاريخ، فالكلمات التي نالت منا ذات يوم تتداولها الذكرى كنقطة تحوّل بين دافعية للانتقام من الكلمة، أو استجابة انهزام لتلك السهام، بل لعل السهام أقل ضرراً منها، وفي المقابل تحتفل الذاكرة ببعض تلك الكلمات التي تلقيناها كأجمل التحولات في حياتنا وربما دون قصد من ذلك المتكلم.
كثير من تلك الكلمات بشقّيها كانت أشبه بعابر في فلاة، ولكن في نظر من ينطقها، أما في أذن متلقيها فيختلف الحال تماماً، فهي وإن كانت كلمة إلا أنها تفترض مستقبلاً تسعى له، وتختطّ برنامجاً تحثّ الخطى إليه.
” إن الله ألقى في قلبك نور إياك أن تطفئه ” لعل الشافعي لن يكون كذلك لو لا تلك الكلمة التي أطلقها معلمه مالك، وليست كلمة هشام بن عبد الملك التي طالما كان يغذّيها لحفيده عبد الرحمن وكأنه أمير المؤمنين حينها حتى عُرف فيما بعد (بالداخل)، وقل هذا في الكثير من النماذج المماثلة وخاصة في صفوف المتعلمين والطلبة، وكيف صنعت فيهم كلمات معلميهم من استشراف لمستقبلهم وتحفيز لطاقاتهم.
يتضوع المجد أحياناً من نبوءات عارضة لأولئك المتكلمين عمِلت في أصحابها توجيه القدرة، وشحذ الهمة لبلوغ تلك النبوءة، والكثير منها تفتّق واقعاً استحال بدونها وقوعه.
بهذا نصل إلى حقيقة مسؤوليتنا تجاه تلك الكلمات ومن المسؤولية أن نراقب حناجرنا فيما تنطق، وأن نتحرّى في كل قول نلقيه، ونعتبر أن المستقبِل سيصبح صدىً لذلك المسموع.
ختاماً…
يا رُبَّ قولٍ لستَ فيه مراعياً*** قد بات فيمن قيلَ فيهِ مسدِّدا
ولرُبَّ آخر قد نثرتَ سهامهُ*** فأصاب حيّاً يُستطابُ فأهّمدا

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button