المقالات

الليبرالية العربية الجديدة، وأهدافها

تغطي الليبرالية فلسفة اجتماعية كاملة، وتُشكل أيديولوجية من بين الأيديولوجيات الاجتماعية والسياسية العديدة كالقومية والشيوعية والإسلامية الحديثة، وغيرها من العقائد الجمعية.
وتنطوي الليبرالية على اعتقادات ثابتة أساسية لا تستقيم من دونها، أولها مبدأ الانسجام الطبيعي الذي يقضي بأن سعي كل فرد حر عن مصالحه الخاصة لا يتناقض مع المصلحة العامة، ولكنه يشكل بالعكس ضمانته الحقيقية وثانيها أن الحرية السياسية تتطابق مع الحرية الاقتصادية..وثالثها أن الديموقراطية والليبرالية متطابقان تمامًا، فلا ديموقراطية من دون ليبرالية، ولا ليبرالية من دون ديمقراطية.. د. محمد خالد الشياب.
إلا أن التجربة التاريخية قد كشفت تناقضات الليبرالية، فالحرية بالمعنى التي تدعو إليه الليبرالية لا تقود بالضرورة إلى الانسجام الطبيعي بين جميع المصالح الاجتماعية، كما أنها يمكن أن تعمل على إيجاد أوضاع اجتماعية تخل بشروط ممارسة الحرية عند القسم الأكبر من الرأي العام لصالح فئات قليلة.
وكان ماركس أول من كشف مثل هذا التناقض؛ حيث اعتبر أن الحريات التي وعدت بها الليبرالية هي حريات شكلية، ذلك أنها تتناقض مع العبودية التي ينتجها تحكم رأس المال على الطبقات لا شعبية.
ولقد ظهر التيار الليبرالي العربي، أو التيار العقلاني التنويري في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي جيلين من المفكرين التنويريين. فكان الجيل الأول يُمثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، وشبلي شميّل، وفرح أنطون، وغيرهم. وظهر الجيل الثاني في بداية القرن العشرين، وكان يُمثل طه حسين، وقاسم أمين، ومحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم. وهؤلاء جميعًا اشتركوا في تيار فكري وسياسي واحد…
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر تيار تنويري ليبرالي قادته مجموعات كبيرة من النخب الثقافية في العالم العربي…وكانت هذه النخب تتبنى خطاب التنويريين العرب في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين..
وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وبعد 11 سبتمبر 2001م على وجه الخصوص، الذي يعتبر فاصلًا تاريخيًا عربيًا…ظهر جيل جديد من الليبراليين أطلق عليهم الإعلام العربي “الليبراليون الجدد”. وهؤلاء نادوا بعصر تنويري جديد، وهو مقدمة لفلسفة المستقبل، وتبنوا أفكار التنويريين الذين جاءوا في القرن التاسع عشر، والذين جاءوا في بداية القرن العشرين، وكذلك أفكار الليبراليين الذين جاءوا في النصف الثاني من القرن العشرين”. من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟- شاكر النابلسي- الحوار المتمدن.
فالليبراليون الجدد كما يتضح من كلام النابلسي: مصطلح يرتبط بأفكار معينة لفترة زمنية معينة، وهم النسخة الأخيرة من الليبراليين العرب، وأفكارهم حصيلة لكل ما سبقهم من أفكار على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمان، بدأت بأفكار التيار العقلاني الذي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، إلى وقتنا الحالي.. مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
ولا تختلف الليبرالية الجديدة عن الليبرالية القديمة إلا في الوسائل والأدوات؛ حيث إن مبادئ الليبرالية وثوابتها المنطلقة من أسُسها الأربع (العلمانية، العقلانية، الفردية، والنفعية) لم تتغير، بل تغيرت آليات العمل بها، ربما الفارق الشكلي الأكبر بين الليبراليتين؛ هو أن القديمة ارتبطت أكثر بأوروبا وفلاسفتها ومفكريها خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بينما ارتبطت الليبرالية الجديدة أكثر بأمريكا والأمريكيين..معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.. د.عبد العزيز مصطفى كامل، ص(191).
ومن أهم المبادئ التي نادت بها مدارس الليبرالية المختلفة على مدار تاريخها كما سجلها النابلسي، فأوضح أن الأفغاني ورفاقه اشتركوا جميعًا في تيار فكري وسياسي واحد كان ينادي بالمبادئ التالية:
– حرية الفكر المطلقة.
– حرية التدين المطلقة.
– حرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل.
– التعددية السياسية.
– المطالبة بالإصلاح الديني.
– المطالبة بالإصلاح التعليمي والسياسي.
– فصل الدين عن الدولة، وكان هذا المطلب خاصًا بالجيل الثاني لليبراليين العرب في مطلع القرن العشرين.
– إخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي.
– تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية.

وأطلق عدد من المفكرين تعريفات مختزلة لليبرالية في بيئتها الغربية والتي يتحدد على ضوئها مفهوم الليبرالية. فقد عرفها الفيلسوف جان جاك روسو: بأنها الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها لأنفسنا، ويعرفها الفيلسوف هوبز: بأنها غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء.
أما مفهوم الليبرالية في الفكر العربي فقد قال منير البعلبكي: إن الليبرالية Liberalism فلسفة سياسية ظهرت في أوروبا في أوائل القرن التاسع عشر ثم اتخذت أشكالًا مختلفة في أزمنة وأمكنة مختلفة.
وقد عرفتها الموسوعة العربية العالمية: بأنها فلسفة اقتصادية وسياسية تؤكد على الحرية والمساوة وإتاحة الفرص.. عبدالله الزازان.
أما طبيعة العلاقة ما بين الليبرالية الغربية والعربية – من واقع المفهوم والمصطلح – فإن الليبرالية العربية قامت باختزال المراحل التسلسلية لليبرالية الغربية ونادت بتطبيقها، وذلك عن طريق استنساخ الفكرة الليبرالية الغربية وإحلالها في الواقع العربي.
ولوجود هذه الفروق الجوهرية بين الليبرالية في بيئتها الأصلية ورجع صداها في العالم العربي فقد شكك كثير من الباحثين في وجود ليبرالية عربية حقيقية ذات مشروع تأسيسي بنائي؛ خصوصًا في الجانبين الفكري والسياسي، فبصفة عامة لا يوجد فكر ليبرالي عربي متكامل.

وفي اعتقادي أن الليبرالية العربية لم تحقق ما كانت تطمح إليه..ربما لعوامل اجتماعية أو دينية أو سياسية. فلم تستطع أن تجاري النجاحات الكبرى لليبرالية الغربية، وإن كنت أرى أن العامل الديني والبيئي هما سبب فشلها في العالم العربي. كما أن الليبرالية العربية لم تستطع مجاراة العولمة الثقافية، مما جعلها تذوب في ثقافتها..وهو ما يسمى بالانتحار الثقافي، وسبب أخير أن الليبراليين العرب على مختلف أزمنتهم أتوا في الوقت الخطأ، ولم يكن لهم مشروع واضح يتوافق مع البيئة العربية.
فسؤالي لماذا نجحت الليبرالية الغربية، نجاحًا ساحقًا وكبيرًا بعكس الليبرالية العربية؟

———————
-خبير استراتيجي ومختص في العلاقات التاريخية بين الدول –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى