(عبيد الضلع)، تراث شعبي منبعه جبال أجاء وسلمى في منطقة حائل الجميلة، ويعني الصدى الذي يتردد بين الجبال، كما يستخدم للإشارة إلى الشيء المجهول؛ مثل أن تسأل عمَّن فعل عمل ما؟ فتأتيك الإجابة: عبيد الضلع، ولستُ هنا بصدد الإبحار في البحث عن أصول الروايات التي وردت عن سبب هذه التسمية، ولكن ما قادني إلى استحضار هذا المصطلح بأن عبيد الضلع أصبح في الوقت الراهن حاضرًا في كثير من المناسبات وعنصرًا بارزًا في عدد من الإدارات والمؤسسات. فلربما تحضر مناسبة أو اجتماعًا فتجد عبيد الضلع أول الحاضرين رغم أنه لا ناقة له ولا جمل بموضوع الاجتماع، بل ربما تجد أن هناك أكثر من عبيد ضمن الحضور في قاعة الاجتماعات، والمشكلة أن عبيد الضلع لا يكتفي بوجوده داخل القاعة كمستمع فقط بل غالبًا ما يكون هو أكثر من يتحدث ويسأل، ويقاطع وربما يبتعد بالمشاركين عن موضوع الاجتماع، وهدفه الرئيس فيضيع بذلك وقت المجتمعين.
المحسوبية في التوظيف قفزت بعبيد الضلع قفزة لولبية من موظف عادي إلى أن يكون الموظف الأول والمسؤول المباشرة والموجه لنشاط إدارات مهمة في عدد من المؤسسات؛ رغم أنه ليس أهلًا للنهوض بها، بل ربما يكون عبيد ممن هبطوا “بالباراشوت” من خارج المؤسسة؛ ليتربع على قمة هرم أحد الإدارات الهامة رغم عدم وجود أية علاقة بين مؤهله وخبراته وبين مهام هذه الإدارة، وعلى حساب موظفين أكفاء؛ لهم من التأهيل والتخصص الدقيق والخبرة الكبيرة والتجربة الطويلة في عمل تلك الإدارة؛ الأمر الذي يتسبب في إحداث هزة قوية تجعل العاملين يشككون في رسالة مؤسستهم؛ فيتبخر مع تلك الهزة ما تبقى من مشاعر الانتماء والولاء، وتبدأ قوافل الكفاءات في التسرب إلى خارج المؤسسة.
حقيقة يجب أن يعيها وأمانة يستلزم أن يراعيها كل مسؤول يتربع على قمة الهرم الإداري في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، بأن نجاح شخص في عمل معين خارج مؤسستك؛ ليس كفيلًا بنجاحه داخل مؤسستك، ولا يعد ذلك مسوغًا لاستقطابه لتولي مهام تختلف تمامًا عن المهام التي نجح فيها سابقًا، وكانت سببًا في شهرته، فعلى سبيل المثال فإن نجاح طبيب أو مهارة مهندس أو شهرة فنان لن تكون ضمانًا لنجاحه في قيادة أصغر وحدة إدارية لديك، إلا إذا كان استقطابه من باب المحسوبية والمجاملة أو الصداقة وسياسة التنفيع (أمسك لي واقطع لك)!!
وعلى الرغم أنني لست خبيرًا في أنظمة الموارد البشرية إلا أنني أكاد أجزم أن نظام العقود في التوظيف يعد أحد أكثر الأبواب المفتوحة التي تسمح بتفشي جرثومة المحسوبية وتغلغل فيروس الفساد الإداري في جسد الكثير من المؤسسات الحكومية وبسهولة كبيرة، ومن هذا المنطلق نتمنى على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن تعيد النظر في لائحة التوظيف عن طريق نظام العقود، وتعمل على مراجعة الصلاحيات الممنوحة لقادة المؤسسات في ذلك النظام، ووضع الآليات التي تكفل عدم إساءة استخدامهم تلك اللوائح بما يخدم مصالحهم الخاصة لا سيما، وأن كثير من المؤسسات الحكومية في طريقها للتحول إلى التوظيف بنظام العقود السنوية، وقد يكون من الأهمية بمكان أن يتم تزويد بعض الجهات الرقابية مثل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بصورة من تلك العقود وبخاصة العقود ذات الأرقام الفلكية، وإلا لن يكون مستغربًا أن نجد كثير من المؤسسات تعج بأمثال عبيد الضلع وأخو عبيد وأبو عبيد وجده، بل وتماشيًا مع تسارع تمكين المرأة في المؤسسات الحكومية والخاصة سوف نرى جدة عبيد هي الأخرى تتحكم في المصير والمسار الوظيفي للعديد من الموظفين والموظفات أصحاب الكفاءة.
خير ختام:
قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولي رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).