قال صاحبي: في هذه الأيام أصبحنا نستمع لمصطلحات ومفاهيم متعددة من قبيل الاتصال السياسي؛ فماذا يعني، وهل هو حديث النشأة، وما الفرق بينه وبين الإعلام السياسي، وما أسباب ظهوره، وما هي مدارسه، وما وظائفه، وأخيرًا، ما العلاقة بين الاتصال والسياسية؟
تعددت مفاهيم الاتصال السياسي، بتعدد المداس الفكرية، التي تكاد تتفق على جوهرية العلاقة بين الاتصال والسياسة، القائمة على نقل مصالح المواطنين ومطالبهم إلى السلطة السياسية، أو نقل رسائل السلطة إلى الداخل والخارج، ولك أن تتصور السياسية والإعلام مدينتين متجاورتين، ظهرتا في وقت متقارب، ولكنهما كانتا مدينتين تنقصهما الحيوية، والتفاعلية، قبل اختراع وسائل الاتصال المختلفة.
وبالنظر إلى مجريات الأحداث في العالم وما فيها من صراعات وأخبار، وما يشهده من اضطرابات وقلاقل؛ نتيجة مواقف وقرارات أو ممارسات سياسية من قبل بعض الأطراف الدولية، فقد اكتسب الاتصال السياسي أهمية متجددة لحقت بالأهمية التاريخية التي حظي بها، حتى حاز على اهتمام كل الدول، ووضعته ضمن أدواتها الداعمة لتحقيق أهدافها، وإيصال رسالتها.
فالاتصال السياسي أحد أشكال السلوك الإنساني، تنطبق عليه كل صفات هذا السلوك، لكنه متخصص في ظاهرة معينة، تتخذ من السياسة مجالًا لها، ويتميز بكونه نشاطًا مُخططًا ومدروسًا يُمارس داخل النظم السياسية من خلال مختلف وسائط الاتصال وأشكاله لتحقيق أهداف مقُررة سلفًا، وتُقاس فاعليته بمقدار نجاحه في تحقيق الأهداف المرسومة، وكما يُمكن أن تقوم به الأنظمة السياسية وأجهزتها، يمكن أن يمارسه الأفراد العاديون.
لقد كان “ليبمان” على حق حين رأى أن الإعلام يُشكِّل رؤيتنا للعالم، وهي رؤية لا تزال صحيحة إلى اليوم، إذ إننا لا نصل للأخبار السياسية بأنفسنا، وإنما نعتمد في تحصيلها على وسائل الإعلام؛ إضافة إلى شبكة الإنترنت وتطبيقات السوشيال ميديا التي أصبحت اليوم من أهم وسائل الحصول على هذه المعلومات؛ حيث تزوَّدنا هذه الوسائل بالمعارف والصور التي نستخدمها؛ لتشكل رؤيتنا ومعتقداتنا وصورنا تجاه الأفراد، والأحداث السياسية والعالم على نحو عام.
وهذا ما أثار المخاوف بشأن التأثيرات الإعلامية القوية أصبحت تشكل موضوعًا شائعًا في الاتصال السياسي، كما أنها تُثير اهتمام الباحثين، الذين أبدوا مخاوفهم من ممارسة وسائل الإعلام الجديدة تأثيرات سياسة قوية بمرور الوقت، خصوصًا بعد تحوُّلها لجزء من الحياة اليومية، وانتشارها، وسهولة استخدامها، واختراقها برسائل تساهم في صناعة رأي عام افتراضي يصعب التنبؤ به ومواجهته، ويسهل التأثير عليه وتوجيهه.
لذا يُثار السؤال المشروع متى يكون الخوف على الجمهور من التلاعب مُبررًا؟ أو متى تكون المخاوف من وجود “غسيل المخ” وتأثيرات الوسائط الضخمة حين تقدم محتوى بعيدًا عن الواقع؟ هذه إحدى التساؤلات المهمة التي تُثار في بيئة الاتصال السياسي بشكل خاص والإعلام بشكل عام، بعد أن أضحى هذا النوع من الاتصال نشاطًا دائمًا تُمارسه النخب من أجل التواصل مع الجماهير، والعمل على دفعها لتقبل البرامج والأفكار التي تدعوهم لتبنيها.
ويرى نقاد الصناعة الإعلامية أن وسائل الاتصال لا تزودنا فقط بالمعلومات والأحداث التي تجري من حولنا محليًا وإقليميًا وعالميًا؛ بل تزودنا كذلك بمنظور معين وبإطار محدد لتلقي هذه الأحداث، وهذه القضايا وتفسيرها وتحليلها وفهمها، وهذا يعني أن وسائل الإعلام تضع الأحداث والقضايا داخل سياقات وأطر خاصة ومحددة (نظرية الإطار) وفق آليات وأعراف متفق عليها ضمنيًا في قاعات التحرير داخل وكالات الأنباء العالمية وإمبراطوريات الإعلام، أما باقي ناقلات الأخبار عبر العالم سواء في جنوبه أو شرقه أو غربه؛ فما هي إلا صناديق بريد توزع في معظم الأحيان ما يصلها من مطابخ الأخبار العالمية.
وأخيرًا؛ يمكنني القول إن الفترة الماضية لم تشهد أزمات كان سبهها الإعلام مثلما شهدتها الفترة الراهنة، ولعلَّ السبب في ذلك أن ذلك الاتصال يصدر عن أجندة خاصة، كل يوم له حال، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل إن غياب القواعد الأخلاقية عن المشهد الإعلامي ألقى بظلاله على العلاقات الدبلوماسية والشعبية بين الدول، مما أجج الموقف في مناطق الصراع بدلًا من إخمادها، وأشعل نيران الحرب في مناطق هادئة وظهر ذلك بصورة جلِّية في الأزمات التي اندلعت في السنوات القليلة الماضية في وقت يُنْتظر أن تلتزم فيه وسائل الاتصال بالمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، في فترة لعلها من أعتى الفترات التي واجهها العالم في تاريخه المعاصر.
قلت لصاحبي:
حروب المستقبل لن يقودها جنرالات.. بل بارونات الإعلام.
من كتاب: الاتصال السياسي في عالم يتغير. للكاتب
0