د. عبدالله العساف

كلاكيت ثالث مرة

قال صاحبي: تجرى هذه الأيام محادثات فيينا الخاصة بالسلاح النووي الإيراني، وهو ما أقلق تل أبيب، بسبب الميوعة، والتعامل الناعم الغربي مع مهدد خطير لأمنها ووجودها؛ وجعلها تطلب من حليفتها واشنطون، التشدد في مواقفها، وإعاقة طهران من إنتاج وامتلاك هذا السلاح، ولم تكتفِ بهذا بل اتخذت خطوة استباقية بتقديم طلب شراء أسلحة أمريكية بمبلغ ملياري دولار، ما الذي يحدث في منطقتنا، هل ستقوم إسرائيل بتدمير السلاح النووي الإيراني كما فعلت مع مفاعل العراق، وما ردة الفعل الإيرانية المتوقعة، وما تبعات هذا الفعل على المنطقة تحديدًا؟

عندما استشعرت إسرائيل خطر امتلاك العراق لسلاح غير تقليدي، قامت منذ وقت مبكر1976 بالتخطيط للتخلص منه، وكان العقبة الوحيدة أمامها، هو عدم قدرة طائراتها من طراز إف 4 فانتوم، وسكاي هوك – تنفيذ هذه العملية التي تحتاج لكمية كبيرة من الوقود تكفي مسار الطائرات في الاتجاهين، حتى امتلكت الطائرات المتطورة، إف 16، التي حققت الحلم الإسرائيلي بالقيام بعملية أوبرا في عام 1981، ودمرت مفاعل تموز العراقي، بمساعدة عدد من العملاء الأجانب العاملين فيه، هذا العمل أحدث ردة فعل غاضبة في الشارع العربي، لكننا حمدنا هذه العملية لأبناء العم بعد أحداث عام 2003.

    بعد هذه العملية تبلورت عقيدة بيغين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، والتي أصبحت عقيدة ثابتة لجميع المتعاقبين على الحكومة الإسرائيلية، لمواجهة أي خطر يهدد أمن إسرائيل، وهو ما تكرر للمرة الثانية في عملية أطلق عليها خارج الصندوق لتدمير ما يشتبه أنه مفاعل نووي سوري قرب دير الزور عام 2007، فهذا نتنياهو يؤكد بأن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، والأهم أن تل أبيب لا تعول على أي اتفاق مع نظام متطرف كنظام الملالي، هذا القول تُرجم لأفعال متعددة، من اختراق سيبراني لعدة مواقع نووية إيرانية، إلى سرقة نصف طن من الوثائق السرية الخاصة بالمفاعلات النووية الإيرانية، وأكملت المهمة الأولى باغتيال فخري زاده العالم النووي الإيراني الأول، هذا المنهج أكده خلفه نفتالي بينيت.

مع وجود هذه العقيدة المتوارثة، هل يمكن استنساخ تجربة التعامل مع مفاعل العراق، بالتعامل المماثل مع مفاعلات إيران؟ يجب أن نفرق بين الرغبة، والإمكانية، الرغبة الإسرائيلية على أن تكون القوة الوحيدة في منطقتنا العربية المالكة للسلاح النووي، إحدى أولويات المشروع الإسرائيلي، أضف إليها أن إسرائيل لا تُرحب بوجود قوة مماثلة أو مقاربة لها، يجب أن تكون هي القوة المتفوقة والمسيطرة، وأن يكون بينها وبين أقرب المنافسين لها بونًا شاسعًا.

عند المقارنة بين المفاعلين النووين العراقي والإيراني، نجد الكثير من الفوارق، والمتغيرات، والتعقيدات، الإقليمية والدولية، والتقنية، والعسكرية، فإيران تنتظر الضربة الإسرائيلية لمفاعلاتها النووية منذ أكثر من عقدين، ولذا احتاطت لهذه المفاعلات باختيار أماكن محمية جغرافيًا، وهندسيًا، على عكس مفاعل تموز الذي كان مكشوفًا على الأرض، كما أن إيران تمتلك تماسًا مباشرًا مع إسرائيل من خلال ميلشيا حزب الله، التي تمتلك أسلحة تطال أماكن استراتيجية داخل إسرائيل، بالإضافة إلى بعض الأجساد المفخخة القابلة للتفجير في أي مكان داخل إسرائيل.

إذن الرغبة الجادة، والدوافع القوية، في تكرار التجربة مع مفاعل نووي إيراني أو أكثر متوافرة، وبنظرة سريعة نجد كلًا من تل أبيب وطهران رغم وجود العلاقات السرية بينهما، لكن مشاريعهما متعارضة، ويفتقدان الثقة ببعضهما– يمتلكان جيشًاإلكترونيًا قادرًا على النفاذ للنظام الإلكتروني، وتعطيله، وسرقة معلوماته، والعبث فيه، قد تتفوق إسرائيل في هذا الجانب بدرجات على ما تمتلكه إيران.

تتفوق إسرائيل بقدرتها على اختراقها الجسد الإيراني عن طريق العملاء، إما من الإيرانيين الكارهين للنظام، وإما عن طريق أجانب يعملون في منظمات دولية متخصصة بمراقبة النشاط النووي الإيراني، كما تتفوق إسرائيل بامتلاكها الخبرة في القيام بمثل هذه الأعمال وهو ما تفتقده إيران، ويضاف لقوة تل أبيب تغطيتها بالفيتو الأمريكي، القادر على إسقاط أي قرار روسي صيني، في دعم حليفتهما طهران، إذا تعرضت لأي عمل عدائي من إسرائيل.

من ناحية التداعيات، سوف أقسمها إلى تداعيات بيئية، وهي تنقسم إلى قسمين، فهناك آراء محذرة من آثار بيئية لا تقتصر على دول الخليج بل سوف تمتد إلى إسرائيل، وقد تصل بفعل الرياح إلى أوروبا، وهناك رأي آخر يرى أن تدمير المفاعل النووي الإيراني ستكون آثاره البيئية محدودة بسبب ثقل معدن اليورانيوم فيزيائيًا وكيميائيًا، مما يصعب انتقاله عبر الرياح إلى مساحات بعيدة، وأما ردة فعل إيران فقد تكون باختطاف سفينة إسرائيلية، أو اغتيال مسؤول إسرائيلي، أو تفجير هنا، أو هناك، وربما إطلاق صواريخ حزب الله على مواقع إسرائيلية، لكن هذا الأمر يحتاج لحسابات إيرانية دقيقة.

قلت لصاحبي:

كلاكيت تعني الطرق على اللوح الخشبي المدوَّن فيه بيانات العمل القادم، فهل نسمع قريبًا كلاكيت نطنز/ بوشهر؟ أقول ربما، فالدوافع موجودة، والإمكانات متوافرة، والوقت ضيق، سواء تم الاتفاق النووي، أو لم يتم، فالمخرج الإسرائيلي جهز اللوكيش، ورسم السيناريو، واختار المنفذين، وتمت البروفة الأولى والثانية بنجاح.. الجميع بانتظار سماع أكشن.

Related Articles

2 Comments

  1. إيران و إسرائيل سمن على عسل في الخفاء، العراق في السابق وضعه مختلف، اقول لإيران ابشر بطول سلامة يا مربع.

  2. شكرا اخ عادل
    اشرت لهذا في مقالي، ولكن ليس في السياسية سمن وعسل، خصوصا إذا كان طرفاها اسرائيل وإيران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button