المقالات

لا للتحرش

من قلب أحداث العمر المتسارع، وكوابيس الهجمات القاتلة، وغفوة الضمير وضمور العقل، استحدثنا كل مكروه باسم المصالح وإباحة كل مستنكر.
من هنا أبدأ القصة..
شابة في مقتبل العمر، اجتهدت وكوَّنت من حياتها أبجديات لحلمٍ جميل (وظيفة مرموقة – خدمات تقدمها بقلبٍ محب – ومنزل جميل لعائلة صغيرة)؛ ولأن الشياطين لم تمت؛ فقد تعرضها مديرها بالمضايقات تلميحًا وتصريحًا وبعدة طرق، ولكن نضوج عقلها ألهمها الصد والتجاهل، ومن ثم مصارحة زوجها، والذي أخذ الموضوع على محمل الرجولة، والتقى بهذا الشخص بمنتهى الهدوء؛ ليطلب منه نقل زوجته لإدارة أخرى اكتفاءً لكل شر.

أبى هذا الشيطان وارتفعت الأصوات ولكن الله تعالى يمهل ولا يهمل؛ فقد نسي أنه استخدم وسيلة تواصل ومراسلة تثبت عليه كل ما كان يقوم به، باستخدامه البريد الإلكتروني للعمل، ورسائل نصية من جواله الشخصي، ونسي أنه من الممكن أن يتم إيقاعه بشر أعماله ، وأن لكل معتدٍ وقفة، ولكل جريمةٍ عقاب.

**
وبعد أن وصلت الأمور للإدارة العليا تقرر إيقافه عن العمل، وتحويله للتحقيق ليتضح أن هذه الفتاة ليست الضحية الأولى، وأن تاريخه امتد ليطال بمرضه الكثيرات.
تم اتخاذ الإجراءات اللازمة، والفصل بحق هذا الشخص، ولكن الإجراء الأهم ما قام به صاحب هذا الكيان؛ فقد قرر وضع عدة لوائح وأنظمة ونقاط؛ ليتم الأخذ بعين الاعتبار أن من تجاوزها سيتخذ بحقه ما تم بحق من سبقه..علاوة على تخصيصه لخط هاتف ساخن لاستقبال مثل هذه الشكاوى على مدار الساعة..
حقًا لقد أصاب ونظم لأنه وببساطة (من أمن العقوبة أساء الأدب).

ما سبق لم يكن محض خيال بل تجربة حصلت على أرض الواقع، ومن قام على سن نظام لتفادي مثل هذه الأفعال يُثاب ويحتذى به..وعلينا وعلى كل راعٍ سواءً كان شخصًا في محل مسؤولية أو مربيًا أو عائلًا أن ينمي الثقة في رعيته، وأن ينصفهم، وأن يشجعهم على مقاومة الخطأ والبوح بكل مستنكر.

**

هل اللوم على المجتمع أم التربية أم الجهل، ومن الذي أعطى الحق لأي شخص كان ذكر أو أنثى بممارسة ما لا يليق ولا يتماشى مع طبيعتنا كبشر؛ فما بالك بنا كمسلمين ولنا من أخلاقياتنا وقيمنا مالنا. إن حملناها الظروف بعضهم يتمتع بأعلى المناصب، وإن وضعناها على عاتق الدين والأخلاق؛ فمعظمهم يرتدون أقنعةً لا نهاية لها من المثاليات..وإن حملنا الأمر لعدم الارتباط فرسولنا وقدوتنا عليه أفضل الصلاة والسلام أعلنها (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وإن كانت الأسباب فتنة من البعض للآخر، فلماذا يتحرش مرضى القلوب والعقول بالأطفال؟!

***
وطرحي لهذا الأمر لا يخص فقط الذكور، بل أيضًا الإناث فكيف للرجال بغض الطرف عن من تلفت الأنظار، وتستهوي الأنفس بطريقة لبسها ومكياجها وحركاتها الاستفزازية لمشاعر الرجال أو تلك التي تمارس نفس الاضطهاد، والتحرش بمن تحت إدارتها من الشباب.
علاوة على ما انتشر في مجتمعاتنا من تصرفات لا تقبل من بعض المعلمات أو المعلمين أو الأقارب ومحاولاتهم الغريبة تجاه الأطفال دون رحمة، ودون أن يفكر هذا الشخص بما قد تجنيه هذه الأنفس الصغيرة من دمار نفسي، ومن عدوانية أو انكسار.

***
وعوا أبناءكم بأساليب التحرش، وما يسمح أو لا يسمح به، وعلموهم الشجاعة بقول الحق ومواجهة الباطل، وضعوا الثقة في نفوسهم بأن من يراعي الله ويراقبه سينتصر، واحرصوا على بناء الثقة بينكم وبينهم؛ حتى يطلعوكم على ما يتعرضون له في بيئة المدرسة أو العمل أو النادي أو الشارع.

طبقوا القوانين التي وضعتها الدولة -حفظها الله- لمواجهة التحرش ومعاقبة المتحرشين، في المكاتب والمدارس، وكافة مجالات العمل، والتعامل المشترك بين الجنسين.

قننوا العلاقات، وضعوا خطوطًا لا مجال لتجاوزها.

ولنتذكر جميعًا أن الله قد استخلفنا سبحانه وتعالى في الأرض؛ لنعمرها ونصل لأسمى درجات الدنيا بحسن الخُلق، وأمانة العمل، ومخافة الله في الناس.

Related Articles

2 Comments

  1. الموضوع جدا حساس وربما يكون من اسباب السكوت الجهل بالتربية الجنسية وهي التوعية التي ذكرتيها للابناء وربما تكون العلاقة مع الاجهزة الاليكترونية والبعد عن مراقبة الابناء سبب في كتم الحوادث واخفاءها.
    موضوعك هذا اتوقع يجب ان يكون مقدمة لسلسلة من المقالات التي تتحدث بالتفصيل عن الاسباب والنتائج والحلول.
    اشكرك جدا

  2. شكرا أستاذة ريم مقال جدآ مهم ورائع .. التحرش في اعتقادي شي موجود من وقت سابق لدى اصحاب القلوب الضعيفة التي ليس لها دين ولا أخلاق ولاكن اختلفت طرق وأساليب التحرش مع مرور الوقت والأحداث المتسارعه . لذا لابد من توعية أطفالنا وكسر الحواجز والتقرب إليهم اكثر ومتابعة أحدث أساليب التربيه والمتابعة الأسريه معم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button