“جوهرة بيد حداد”
حداد متمكن وجوهرة ثمينة، وكلاهما في قدر الآخر، ومع ذلك نذيرُ مظلوميةٍ واقع، وواقعية غبنٍ متربع، فـأيهما المغبون؟ وهل يمكن أن يأخذا صفة المظلومية معاً في آن واحد؟!
تكمن المظلومية كما تعلمون في موت الجوهرة في يدي ذلك الحداد، لأنها ببساطة ليست في مكانها الصحيح، وتضيع جهود ذلك الحرفي البارع لأنه وببساطة يتقن الحدادة وربما أكثر إلا أنه ليس جواهري، وهذه حالة يثقلها التكرار لدى الكثير ومن خلال العديد من المواقف.
الفرصة الجيدة جوهرة، والظروف الجيدة جوهرة كذلك، والتوقيت الجيد جوهرة أخرى، والطموح والنشاط والعافية والاستقرار والوعي …. الخ جواهر مكنونة، وعقود من اللؤلؤ المصفوف، وتكون كذلك حتى تصبح في يد من لا يستغنم إقبالها ويزهد في حقها، فما أن تلبث حتى تعود إلى لا شي، وتنقلب مغرماً في أحايين كُثر.
وجود الأم جوهرة فهل أنت في هذا الباب جواهريّ أم حداد؟
والسؤال يعيد نفسه بطريقة أخرى ليُكتب: كم كنتَ حداداً يوماً وبين يديك جوهرة؟
لعل هذا السؤال يرمي بثقله ليُخرج لنا من الذاكرة كمَّ الفرص التي تجاوزنها دون نظر، وتخطيناها بلا تدبّرٍ معتبر، فأعقبها حسرة وتلاها غصة أسعر، ولا اعتراض هنا، وهب أنّا أغلقنا الماضي بما فيه، وتجاوزنه مطلقا لنعود إلى واقعنا، لنعيد ترتيبه من جديد، ونتفحص جواهره، ونقيّم حالنا الآن كـــ (هي) بالمقام الأول و(نحن) معها بالمقام الثاني وتذكرة عابرة (بذات الحال دونها) بالمقام الثالث، لعلنا ندرك ما فاتنا استدراكه ونصلح ما أفسد الدهر.
“قيمة الرجل تكمن فيما يستطيع تحقيقه بالقوّة التي بين يديه.” ربما تعني القوة بطريق ماء فيما يقول أفلاطون – إنْ صحت نسبته له – تلك الجوهرة والتي هي مجموع القوى الفطرية والمكتسبة وكل ما يجعلك تتقدم خطوة الى ما تريد، أو في أقل تقدير إلى ما ينبغي وفق تلك المعطيات، بهذا تكون قوة ممنوحة لمن يستحق ووصولاً به الى ما يستحق.
يُقال أن الفرص تزداد كلما تأهبت لها، كحال الصيّاد مع مَصِيدِه، فكلما كان أكثر استعداداً كانت عدد فرص الاصطياد أكثر تأتياً، وهذا دليل على فلسفة استمطار الجواهر، وخلق بيئة تستوعبها، فكما يتوجب عليك استثمارها، فربما يتوجب عليك أيضاً استدراجها، وتلك هي قاعدة الاستمطار بالتهيئة.
ختاماً …. تفحص يديك جيداً وما تحمله من جواهر، ولا تنظر إليها بعين الحداد.