تُمثل جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخليجية الحالية منعطفًا هامًا في تاريخ مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في العام (1400هـ – 1981م)، واختار مدينة الرياض مقرًا له..
فهي تأتي قبل أسبوع واحد من انعقاد القمة الخليجية الثانية والأربعين بمدينة الرياض وسط أحداث وتطورات كبيرة تشهدها المنطقة والعالم على حد سواء، وفي مقدمتها:
التلكؤ الإيراني في المحادثات الراهنة لوضع حد للخروقات الفاضحة بالنسبة للملف النووي من جهته، وتزايد التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول الإقليم وسواها.
– التهديد الإيراني المباشر وعبر الأدوات والعملاء بالمنطقة لدولنا وشعوبنا ومستقبل أجيالنا.
-بروز أشكال جديدة من الأعمال الإرهابية المهددة لأمن واستقرار دول المنطقة بدعم من الأطراف الطامعة فيها، وبث المرتزقة في أرجاء مختلفة منها للإبقاء على حالة التوتر فيها، وتحقيق المزيد من المصالح على حساب شعوبها ودولها.
– خلق حالة من التضارب في المصالح في ظل غياب التنسيق طويل المدى لما فيه خير الجميع وتقدمهم، واستغلال بعض الأطراف الإقليمية والدولية لهذه الحالة، لإضعاف أواصر التعاون والقربى بين دولنا وشعوبنا المؤمنة بوحدة المصير.
– هذه الأوضاع وغيرها -كما بدت لي- أسهمت في التخطيط بعناية لهذا التحرك المدروس في أهدافه وتوقيته، وذلك لتوفير:
أولًا: الحد الأعلى من النجاح لقمة الرياض القادمة، وجعلها قمة محورية لعمل خليجي وعربي مشترك غايته الأساسية تحصين دولنا وشعوبنا ضد كل الأخطار المحدقة بنا جميعًا.
ثانيًا: خلق ظروف أفضل للتعاون مع بعض دول الإقليم؛ وذلك للانتقال من مرحلة التهدئة معها إلى الضمانات الكافية؛ لتحقيق الاستقرار المنشود وضمان مصالح الجميع.
ثالثًا: النظر بشكل فعال في آليات العمل الخليجي ورسم السياسات الموحدة سواء فيما يتصل بالمحيط العربي أو الإقليمي، وبما يعود على دول وشعوب الخليج بالمزيد من القوة والمِنعة ..، وتوحيد المواقف والسياسات في المرحلة القادمة.
هذه الأهداف الحيوية، وتلك الرؤية بعيدة المدى عجَّلت بتحرك سمو الأمير محمد بن سلمان في هذا الوقت بالذات حتى يمكّن مجلس التعاون من القيام بأدوار فعالة في المرحلة القادمة، سواءً على مستوى العمل الإقليمي ومع سائر دول العالم الأخرى، ويبعدنا جميعًا عن كل المهددات والضغوط، ويمكننا من التفرغ لإنجاز رؤانا وخططنا المستقبلية وتنمية أوطاننا، وتوفير الحد المطلوب من الأمان والاستقرار بمنطقتنا الملتهبة، ويمكّن شعوبنا من تحقيق المزيد من النماء والتقدم والرقي بدلًا من الارتهان لعوامل التهديد ومخاطر عدم الاستقرار المفتعلة بمنطقتنا في ظل تزايد الأطماع في خيراتها ومكتسبات شعوبها.
وبالتأكيد فإن الأيام القليلة القادمة سواًء قبل انعقاد قمة الرياض الأسبوع القادم أو بعدها، سوف تكشف لنا مدى حجم التحولات التي سوف نشهدها في المرحلة القادمة في ظل توفر الحد الأعلى من التعاون البناء والتنسيق الشامل والعمل المشترك والقائم على الثقة ووحدة المصير، وهي الأهداف التي وضعها سموه لتحقيقها من وراء هذه الجولة الهامة، والتي ستكون لها نتائجها العريضة في وقت ليس ببعيد..
وليس من المستبعد بعد هذه الجولة، وبعد قمة الرياض أن تشهد المنطقة حالة أفضل من الهدوء، وكذلك من التحرك الواسع، وعلى جميع الأصعدة لإيقاف عملية الاستنزاف لمقدرات دولنا وشعوبنا، بفعل هذا التحرك المهم في الرياض في هذا الوقت بالذات..