قال صاحبي: يُمثل التجديد أحد أهم عناصر الاستمرار والنجاح في حياة الأمم، والشعوب، والدول، والمنظومات السياسية، والفكرية والاجتماعية؛ خصوصًا بعد مرور فترة من الزمن، صاحبها الكثير من المتغيرات، والتحولات التي تستوجب، إعادة التجديد، والتحديث، في الأنظمة والهياكل، والأفكار، فهل سيشهد مجلس التعاون الخليجي تجديدًا يتناغم مع المرحلة بكافة تفاصيلها، وهل تصبح القمة الخليجية الثانية والأربعون بداية لهذا التجديد الفعلي، على مستوى التشريعات، والسياسات؟
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي حراكًا سياسيًا على الصعد كافة، فما بين زيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخليجية، هناك زيارات مماثلة من وإلى دول الخليج العربي، مع المحيط المجاور، الذي شهدت العلاقات والتجاذبات السياسية بينه وبين المنظومة الخليجية تباينات وفراغات سياسية، استغلتها تلك الأطراف، وسعت للعبث فيها، وزيادة حدة الاستقطابات، آملًا في تفكيك هذه المنظومة والرقص على أنقاضها.
إيرانيًا، لا تتقاسم دول الخليج موقفًا موحدًا من طهران، التي ترفض في المقابل التعامل مع دول الخليج ككيان سياسي موحد، وتسعى للتعامل الثنائي فقط، وربما تكون مشاركة أحمدي نجاد في قمة المجلس في الدوحة من النوادر التي حضرت فيها إيران مع دول المجلس، ولا يختلف الموقف التركي عن الموقف الإيراني، فكلتا الدولتين تملكان مشروعًا خاصًا بهما يستهدف أمن واستقرار المنطقة، في ظل غياب مشروع خليجي موحد في مواجهتهما.
استبق الأمير محمد بن سلمان، عقد القمة الخليجية الاعتيادية الثانية والأربعون، بزيارات لدول المجلس، لتنسيق الموقف الخليجي، خصوصًا بعد التغيرات الجيواستراتيجية التي أحاطت بالمنطقة والعالم، وأصبحت تفرض واقعًا جديدًا، يتطلب التعامل بأدوات وأفكار مختلفة، حتى تمضي في ركب الأمم القوية، التي تُعيد اكتشاف إمكاناتها، ثم تسخرها لتحقيق مصالحها، والعيش الكريم لشعوبها.
هذه الزيارة ستمهَّد- بإذن الله- لجعل القمة الخليجية الاعتيادية القادمة؛ تخرج بنتائج استثنائية، من خلال رفع وتيرة التعاون بين دول الخليج العربي في المجالات كافة، وإعادة التأكيد على مبادئ حسن الجوار، داخل المنظومة الخليجية، وخارجها، والعمل على تصفير المشكلات المحيطة بالإقليم بدءًا باليمن، من خلال العمل المشترك لدعم المبادرات والحلول السياسية، بالإضافة إلى خفض التصعيد، ونزع فتيل الأزمة مع القوى الإقليمية، ما لم يتم التوصل إلى تطبيع العلاقات معها.
هذا لن يتحقق إلا بترجمة رغبة الأباء المؤسسين للمجلس- رحمهم الله- عندما صاغوا الديباجة الأولى لتأسيس هذا الكيان، وتطلعهم لأن ينتقل من التعاون إلى التكامل، وصولًا إلى الاتحاد، فالعالم لا يحترم الدول المنفردة قدر احترامه للكيانات الموحدة سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، خصوصًا وأننا نمتلك جميع هذه المقومات، والأهم أن المجلس يمتلك خبرة ثرية خلال الأربعة عقود الماضية، تجعله أكثر استعدادًا لتقييم المرحلة الماضية، وكيفية تجديدها لحماية دول المجلس، وتجنيبها العواصف السياسية والأمنية التي تهددها.
يضاف لما سبق؛ الانعطافات التي تمر بها السياسية الأمريكية، بشكل عام، وبعد وصول الديمقراطيين على وجه الخصوص للبيت الأبيض، وأدت لتغيير الكثير من ثوابت العلاقات الخليجية الأمريكية، تمهيدًا للانسحاب بشكل غير كامل من المنطقة، مما ولد قناعة خليجية بضرورة الاعتماد على الذات، وبناء القدرات العسكرية الخليجية الموحدة، القادرة على صناعة التوازن في الإقليم بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
قلت لصاحبي:
فيروس كورونا الذي لا يرى بالعين المجردة لقن العالم درسًا، في أن مواجهته لا تتم إلا بالتعاون، وبالتعاون الحقيقي نحطم سياسة المحاور التي مرت بها دول الخليج العربي واستنزفتها سياسيًا، واقتصاديًا، وإعاقتها عن التقارب والتكامل فيما بينها.