المقالات

مئوية اليوم الأغر .. (تاج تاريخ الملك عبد العزيز)

إن التاريخ يُحفظ والأجيال تستلهمُ أحداثه، ولعل التاريخ يفخرُ بمن يصنعه، وقلة في تاريخنا المعاصر من صنع التاريخ، ولنا في هذا اليوم الأغر وقفة بعد قرن من الزمان، وصانعه قائد عظیم فذ، فريد في زمانه ومكانه وطموحه وأهدافه؛ فصانع التاريخ هذا ليس لديه سوی عقيدة التوحيد هي سلاحه وأبناء وطنه المخلصين له ذراعه وسيفه العدل، وكلمة الحق رحم الله الملك عبد العزيز وطيب الله ثراه صانع اليوم الأغر وتاج تاريخه؛ حيث لم يحتمل ما آلت إليه مقدسات المسلمين من حال لا يسر المسلم الذي فقد الأمن، واستباح دمه وعرضه وماله في تلك المقدسات، فانبرى للمغامرة من أجل أمته ودينه ومقدسات المسلمين رغم القوى الخارجية التي تجوب بلاد العرب والمسلمين طمعًا في خيرات هذه الأمة، ولم يتأخر بنخوته العربية وغيرته على دينه.

إن التاريخ يقول: كان الحرمان الشريفان قبل العهد السعودي الرشيد يعيش مأساة الأمن والطمأنينة لأهل مكة المكرمة والحاج والمعتمر، وقد كان بعض الأعراب يذبحون الحاج والمعتمر والساكن، وإن كان فقيرًا؛ ليسلب ما معه فعاثوا في الأرض فسادًا حتى كان المسلم يخرج من بلاده قاصدًا الأماكن المقدسة، ولا يعلم يعود لوطنه أم يقتل بالصحاري والمفازات؛ حيث لا سلطان دولة يضبط الأمن، ويحمي الحاج والمعتمر، وقد وصف الحال حينذاك “أمين الريحاني” في كتابه (ملوك العرب) (إن الحجاز في تلك الأيام….كان نهبًا للناهبين وغدا العدل شريدًا والأمن طريدًا فكان الحاج والمعتمر يُسلبون حتى في ظل البيت الحرام وفي رابعة النهار). ولعل أبلغ وصف لحالة (الحجاز) نظمه الشاعر “أحمد شوقي” في قصيدته الشهيرة عام ۱۳۲۳هـ أي قبل دخول الملك عبد العزيز الحجاز بأكثر من عشرين عامًا، والتي وجهها إلى الخليفة العثماني والتي في مطلعها:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
قد مسها في حماك الضر فاقض لها
خليفة الله انت السيد الحكم

إلى أن وصف الحال؛ حيث قال:
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا
إن أنت لم تنتقم فالله منتقم
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة
تُسبى النساء ويؤذي الأهل والحشم
ويُسفك الدم في أرض مقدسة
وتستباح بها الأعراض والحرم

إلى أن قال:
خليفة الله شكوى المسلمين رقت
لسدة الله هل ترقي الكلمِ
الحج ركن من الإسلام نكبرهُ
واليوم يوشك هذا الركن ينهدم
قد سال بالدم من ذبحٍ ومن بشرٍ
وأحمر فيه الحمى والأشهر الحرمِ

وبعد الثورة العربية لم يكن الوضع في أحسن حال؛ حيث منع حجاج (نجد) من الحج، الأمر الذي حدا بالبطل الملك عبدالعزيز أن يُهيب بقومه وأهله إلى تخليص الأمة العربية والإسلامية من الخوف والهلع، واجتثاث الفساد من الأماكن المقدسة، وسارت جيوشه إلى الحجاز مسلحة بالإيمان والعقيدة، وهَزم الجيش السعودي قوات الشريف بالطائف بنصر من الله ثم زحف إلى مكة المكرمة، ودخل في يوم الخميس ١٧-٣-١٣٤٣هـ وهم بلباس الإحرام ملبين وبدون قتال، وهبت رياح النصر إلى الشرق لتُعانق (اليمامة)، ويعلن الملك عبدالعزيز عزمه إلى السفر لمكة المكرمة من عاصمته الرياض، وهو يقول للعالم أجمع: (إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت کاهل العباد..إني مسافر إلى مهبط الوحي لبسط أحكام الشريعة، ونؤيد أحكامها فبعد الآن لا يكون سلطان في مكة إلا للشرع وجميع الرؤوس يجب أن تطأطئ للشريعة وإن مكة للمسلمين كافة، إننا نجتمع بوفود العالم الإسلامي هناك وسنتبادل معهم الرأي في كل الوسائل التي تجعل بيت الله بعيدًا عن الشهوات السياسية، ونحفظ راحة قاصد حرم الله، إن الحجاز سيكون مفتوحًا لكل من يريد عمل الخير للأفراد والجماعات)؛ حيث كتب إلى حُكام العالم العربي والإسلامي قائلًا لهم: (لقد استقبلت الطريق إلى مكة غير باغٍ ولا آثم) ودعاهم لتوافيه وفودهم في البيت الحرام، ومن حكمته وحصافته -رحمه- الله ومراعاة منه لحرمة بيت الله لم يقل إني ذاهب لفتح مكة أو لتحريره مكة.

في مثل هذا اليوم الأغر ٧-٥-١٣٤٣هـ حل رَكب الملك عبد العزيز في مكة ثم سار إلى الحرم الشريف في موكب الحق والخير، وهو حاسر الرأس، حافي القدمين، أعزل من السلاح، محرمًا وملبيًا، وأقبل خاشعًا استقبلته مكة المكرمة مرحبة به؛ فإذا هو يطوف ويسعى آمنًا في مكة آمنة به.
ومضت السنون يزدان بها تاريخ هذا البطل العظيم واليوم السبت ٧-٥-١٤٤٣هـ، يكمل اليوم الأغر تاج تاريخ الملك عبد العزيز المئوية، نعم (مائة عام) والأمن بمكة مستتب والحاج والمعتمر ضيوف الرحمن في رحاب الحرمين الشريفين في راحة وطمأنينة، وفي مئوية هذا اليوم الأغرتم إنجاز ۸۰٪ من التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي الشريف؛ حيث يتسع إلى مليون ومائتي ألف مصلٍ.
وبعد بضعة أشهر من تاريخ هذا اليوم الأغر، انضمت الحجاز تحت راية الملك عبد العزيز (سلطان نجد والحجاز)، ومضى في تأسيس الدولة السعودية الثالثة، وأعلن توحيد المملكة العربية السعودية في ١٧-٥-١٣٥١هـ الموافق ۱۹۳۲/٩/۲۳م الأول من الميزان؛ ليصبح اليوم الوطني للمملكة بعد أن غرس في هذه الأرض المباركة الطيبة أعظم وحدة في تاريخ هذه البلاد؛ فحوَّل ضعفها إلى قوة، وتمزقها إلى كيان قوي راسخ؛ حيث أصبحت المملكة العربية السعودية نموذجًا رائعًا ومثالًا فريدًا للوحدة الوطنية. كما أعتزُ وأفتخر في مئوية هذا اليوم الأغر المشهود بمشاركة بيرق أهل سنام لقبيلة العصمة بقيادة الشيخ سلطان بن مشعان أبا العلاء ومن شارك معه من أسرة أبا العلاء، وهم الشيخ ماجد بن جزاء أبا العلاء، والشيخ محمد بن سلطان أبا العلاء، والشيخ عبيد بن جزاء أبا العلاء، ووالدي الشيخ عمر بن سلطان أبا العلاء رحمهما الله جميعًا.
في مئوية اليوم الأغر ها هي المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله- تسير بخطى حثيثة في سبيل التقدم والازدهار؛ لتحقق كل يوم جديدًا مجدًا في شتى المجالات. رحم الله الملك عبد العزيز على ما قدمه لدينه ووطنه، وأسكنه فسيح جناته مع المجاهدين الصادقين، ورحم الله أبناءه الملوك الذين ساروا على دربه سالكين منهجه وخطاه في خدمة الإسلام والمسلمين.

—————————-
شيخ شمل قبيلة العصمة

Related Articles

3 Comments

  1. رحم الله الملك عبد العزيز وطيّب ثراه ، نعم ” فحوَّل ضعفها إلى قوة، وتمزقها إلى كيان قوي راسخ”
    فالوحدة هي القوة وهي الأمن والأمان، وقد سار أبناؤه على منهاجه وطريقه وأحفادهم من بعدهم حفظ الله بلادنا حكومةً وشعباً.
    سلمت أناملك شيخنا أبا فهد.

  2. رحم الله الإمام الملك عبدالعزيز، وجزاه عن الإسلام خير جزاء، وسلمت يمينك على هذا المقال المناسب.

  3. رحم الله الإمام الملك عبدالعزيز وطيب الله ثراه،، وما الخير والأمن والعز الذي نحن فيه الا من الله سبحانه وتعالى ثم منه رحمه الله.
    اللهم احفظ الوطن وولاة امرنا والشعب الكريم ومدنا بعون منك يارب على الطاعة.
    سلمت يداك يا ابا فهد على هذا المقال وحفظك الله ورعاك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button