“دمياط” فردوس مصر الساحرة، مدينة المياه، ومتعة الحياة، تجري على تضاريسها الفاتنة، كوثر النيل العذب، والبحر المتوسط الرحب، وجمال بحيرة المنزلة العظمى، ميناء مصر الأعظم، وثغرها التجاري الفريد، المتنوع والممتع، بروعة وبهاء قوس قزح.
عشق وتغنى بها الشعراء، ووثق واعتنى بها المؤرخون والجغرافيون، قديمًا وحديثًا، مشيدين بروعتها، وبسالتها ودحرها للغزاة الصليبيين، رسمت ملاحم عظيمة، بدماء الشهداء، البواسل، للدفاع عن العقيدة والدين والوطن، وقال عنها نبراس المؤرخين المصريين المقريزي:
سقى عهد “دمياط” وحياة مـن عـهـد فقد زادني ذكراه وجدًا علـى وجـد
ولا زالت الأنواء تسقي سحـابـهـا ديارًا حكت من حسنها جنة الخلـد
“دمياط” التي تستنبت ميلاد التاريخ، وتستنطق الروايات المكثفة، لنقش صورتها الراقية، ووصفها بأنها متوشحة، عباءة المجد وتاج الشموخ، متكاملة السمات، محددة المعالم، واضحة الصورة، تعتزُّ بالاستقلال لشخصيتها المتميزة؛ حيث نمت بها أولى ملامح التاريخ، الممتزجة بحضارات الأمم السابقة المنفردة، المكثفة بشواهد تاريخية، بالغة الأهمية، المنغرسة بجذورها العميقة والعتيقة، في حقب التاريخ المضيء في جبين الزمن.
مدينة تتكئ على شواطئ البحر، موغلة في القدم، ويؤكد ويوثق ذلك سجلها الحافل من الآثار والتاريخ من العصر الفرعوني، ثم اليوناني وتوغلت بالعصر الروماني، ثم ازدانت بالفتح الإسلامي مبكرًا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
وإذا كانت حدود المدن شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، فإن حدودها حضارة وتاريخ وبسالة، وفن وتراث وأصالة، وزراعة وصناعة وتجارة، أما معالمها فجمال وبهاء، وسحر وغناء وفتنة وضياء.
برزت في سمائها شموس وأقمار، تضيء فضاءها فكرًا وفلسفة وفنًا، وأنجبت عمالقة الفلاسفة وأساطين الشعراء، وقامات سامقة من الأعلام في شتى العلوم والمعارف، والساسة والقادة، صنعوا فخرًا لماضيها، وفجرًا لحاضرها.
تتميز بطبيعة التباين الطبوغرافي، مما أوجد فيها تباينًا خلاقًا لبيئاتها الطبيعية، كما تسودها السهول الزراعية الخصبة الواسعة، التي تزدان بأعراس النخيل الباسقات، وتحتضن مزارع شاسعة تنبت جنباتها الأشجار المثمرة، وفاقت وأصبحت مشهورة بإنتاج العديد من الخضراوات، والفواكه الشهية المتنوعة، والحدائق الغناء، المزدانة بملكات الليل، وأغضان السنديان، وروائح النرجس والرياحين، وعانقت عطر الورود والياسمين.
المجتمع الدمياطي المتصالح مع ذاته، والمتسامح مع الآخر، طيبة وودًا، صنعوا حاضرًا مشرقًا ببراعتهم، بزخرفة وإتقان وجودة صناعة الأثاث، بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، وبأحدث المعدات، حتى أصبح لهذه المصانع اسمًا كبيرًا، في الأسواق العالمية لصناعة الأثاث.
كما حباه الله ثروة سمكية، وتفوقت بصيد الأسماك، وصناعة النسيج، وصناعة الحلوى والألبان، ومنها الجبنة الدمياطي أشهر أنواع الجبن في العالم.
كما اشتهرت وأصبحت فى ذاكرة العقل العربي، وذلك بمنارة الإشعاع الفني والثقافي، أيقونة صرح جامعة “دمياط”، المشرقة المستنيرة، ممثلة بكلية الفنون التطبيقية الأعرق والأقدم والأميز بمصر؛ حيث اتسمت واشتهرت ببريق الإبداع الفني، والإنتاج العلمي الغزير، وأصبحت مؤتمراتها كرنفالًا علميًا حضاريًا، ثريًا ومثيرًا وأثيرًا، تشدُّ إليه الرحال من داخل مصر وخارجها، محققة أهداف الكلية المنشودة، ورسالتها السامية النبيلة في إبراز مفاتن النحت، وروعة التصميم، وجماليات الزخرفة، ودهشة التشكيل المعماري، والفنون المتألقة الأخرى، مشعلين جذوة روح الفن، بالتجديد والابتكار، الذي أنتج الكثير من النوابغ والرموز، في الفنون الجميلة كما وظف أمير الشعراء شوقي، ملكة الشعر لديه، فأجاد في وصفها، بـعذوبة اللفظ، وسحر البيان عندما أسره، جمال المدينة الخلاب قائلًا:
“دمياط” شاعرك الفياض مغترف من نهرك العذب أو من بحرك الطامي
أطلعته في مساء الشعر مؤتلفًا ينشئ الفرائد عن وحي وإلهام