منذ أن أصبح التجار يطلقون على بعض أيام الأسبوع في أسابيع معينة من العام مسميات مستوحاة من أسماء الألوان كالجمعة السوداء أو الجمعة البيضاء، وغيرها من الأيام التي بات الناس ينتظرونها بفارغ الصبر؛ وكأنها الفرصة الوحيدة التي تُمكنهم من شراء ما يريدون من منتجات استهلاكية بأسعار زهيدة دون أن يدركوا أن هذه الأيام التي تنتشر دعاياتها وإعلاناتها في الشوارع والصحف والمواقع الإلكترونية، إنما هي خطوة تهدف إلى صيد المستهلكين من خلال تخفيضات وهمية لسلع ومنتجات مشارفة على الانتهاء أو مقلدة التصنيع، وكل ذلك من أجل الاستمتاع بها في ظل عدم إحساسهم بوهمها وارتباطهم الدائم بها على اعتبار أنها تخفيضات حقيقية.
وقد تبدو عناوين هذه الأيام غريبة بعض الشيء كغرابة من أطلق عليها هذه المسميات خصوصًا مسمى الجمعة السوداء لا سيما وأن المسلمين في أدبيّاتهم الدينيّة ينظرون إلى هذا اليوم بقدسية واحترامٍ صادرٍ من المكانة الدينية لهذا اليوم كونه يومًا ذكره الله في كتابه الكريم وحث فيه على ترك البيع والشراء إلى ما بعد أداء الصلاة، إلا أننا نجد من يحاول إشاعة ثقافة هذا المصطلح “الجمعة السوداء”؛ حيث بات متداولًا على ألسنةِ الملايين من الناس في وقتنا المعاصر.
لذلك فإن هذه الأيام باختلاف ألوانها وأهدافها أصبحت أحد الأساليب الاحتيالية من أجل استقطاب الزبائن الذين أصابهم، وتسلل إليهم الهوس الاستهلاكي؛ وذلك نتيجة حتمية لمجتمع عالمي غزته المادة، وبدت عليه مظاهر التسابق عند بوابات الأسواق، حتى يظفروا بأسبقية الشراء، ولكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم وقعوا ضحايا لمعاني الرفاهية المزيفة التي صورتها لهم الدعايات والإعلانات عن الماركات الجديدة والتخفيضات غير الحقيقية التي عززت لها تلك الأيام الوهمية .
ومن هذا المنطلق فإننا لو تمعنا قليلًا فيما يحدث لوجدنا أن الثقافة الاستهلاكية في هذه الأيام ما هي إلا نمط مستورد كنتيجة طبيعية للرأسمالية التي دمجتنا مع العالم وفق سلوكياته الممنهجة وإعادة هيكلة تصوراتنا وعاداتنا تجاه التبضع؛ وذلك بتكثيف الإعلانات وبثها بشكل متكرر ومستمر، حتى باتت تتبعنا كالظل في كل صفحات التواصل وجميع الشاشات، وأصبح المجتمع غير قادر على الإفلات من فخاخها التي تدعو للإنفاق وتحميل المستهلك ما لا يطاق!
وختام القول ومن هذا المنبر؛ فإننا نوجه نداءً عاجلًا للمسئولين عن القطاع التجاري وحماية المستهلك بأن يفرضوا عقوبات رادعة وجادة للمروجين لهذه الحملات الوهمية التي يروح ضحيتها المستهلك الذي يفتقر إلى الثقافة الشرائية؛ وذلك للحد من العبث الذي تمارسه تلك المتاجر الشهيرة من خلال تقديم عروض وهمية على أسعار السلع الغذائية والمنتجات الاستهلاكية واستغلال تلك المسميات البراقة كاليوم الأبيض أو اليوم الأسود، وكل ذلك ما هو إلا استخفاف بوعي المستهلك المسكين .
وخزة قلم :
جملة نحطم الأسعار تحطيمًا أصبحنا نراها أينما اتجهنا وحيثما ولينا وجوهنا، فمن يضحك على من؟ ومن يعيش في الوهم؟!