عند استعراض الحالات والتغريدات في تطبيقات الوتس آب وتويتر يوميًا؛ تجدها لا تخلو من آهات الشعور بالخذلان وافتقاد الوفاء وبشكلٍ مبالغ فيه، وتكاد تكون صفة ملازمة للبعض يفتتح بها صباحه أو يختتم بها مساءه. وإن كان الفقد أو الفراق من مسلمات الحياة سواءً كان اختيارًا أو مفاجئًا وصادمًا فهو في المجمل يترك آثارًا مزعجة وفجوات تحتاج لمدى زمني لردمها ومعالجتها، وفي بعض صوره يخلف شعور بالألم أحيانًا يصعب تجاوزه.
ولأن ثقافة الإنسان تتأثر ببيئته وتفاعلاته الحياتية وصور الفقدان المتعددة؛ اخترعنا مصطلح (فاقد)، وألبسناه كاريزما وصفية أثرت على مخزوننا اللفظي واستخدم بشكلٍ أوسع في مجالات حياتنا المختلفة كتعبير مجازي عن مساحة النقص في تلك الصور أو أثر ذلك الفقد، وربما ربط بينها. فتجد الفاقد الاقتصادي والفاقد التعليمي من أبرز إفرازات جائحة كورونا بل من أكبر التحديات التي واجهت الدول. وفي المجال الرياضي يحلو للمهتمين توظيف المصطلح وتداوله فنسمع فاقد نقطي، وفاقد فني، وفاقد لياقي على مستوى الفرق والأفراد، وتمدد إلى فاقد إداري. والعامل المشترك بين مفاجآت النقص وحالات الفقد هو الهم والقلق المستقبلي الذي يلازم المتأثر بالفقد بالإضافة إلى الانشغال الذهني، وجميعها تحتاج لمعالجة مدروسة تُعيد التوازن أو جزء منه. إلا أن الفقد المتعلق بالبشر في كافة صوره أشد وطأة وألمًا، لا تسد فجواته ويصعب تجاوزها. حكايات ما بين الموت والحياة، والتواجد والانسحاب، والوفاء والخذلان، والوعد والتنكر، والتحفّي والتجاهل، ورفع سقف التوقعات وانقضاء المصالح؛ تلك “الحكايات” وانعكاساتها تنقلها زفرات الفاقدين أو وقفات المتأثرين في حالاتهم أو تغريداتهم المتكررة، والتي قد لا تُمثل واقعهم، وتدعو للتساؤل: أي الفاقدين هم؟ ويبقى فقد الإنسان أكثر إيلامًا، يقول الشاعر سعد بن جدلان -رحمه الله-:
فاقدٍ لي سلعةٍ وأكبر بضاعة
سِلعةٍ تِشْرَى ولا هيب تنباعي
رفقة الطيِّب ليا غيَّر أطباعه
أشهد إنها كَيِّةٍ توجع أوجاع
0