يُحكى أن الشاعر الكبير “علي بن الجهم” عندما وصل إلى بغداد قادمًا من البادية، ودخل على الخليفة العباسي المتوكل مادحًا؛ فأنشد قصيدته المعروفة حين قال :
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو، لاعدمناك دلوا
من كبار الدلا، كبير الذنوب
فاندهش الحاضرون في مجلس الخليفة من هذا المدح؛ فقد وصفه بالكلب في حفظه للود وكالتيس في مواجهة الصعاب، وكالدلو الذي يجلب الماء بغزارة.
لكن الخليفة المتوكل لم يغضب ولم تصبه الدهشة، وإنما أدرك أن الشاعر قادم من الصحراء، وهذه التشبيهات والأوصاف؛ نتيجة لملازمته للبادية، وكان هدفه المدح وليس الذم.
إذن موضوع اختلاف الثقافات، وتنوع الخلفيات الثقافية، واختلاف العادات والتقاليد شيء طبيعي بحكم اختلاف البيئات، وتنوع الأديان ومستوى التعليم، واختلاف اللغات وتضاريس الأماكن أو العوامل الجغرافية.
ويأتي تعريف الموسوعة البريطانية للتعددية الثقافية أو الاختلاف الثقافي بأنها وجهة النظر الموضحة بأن هناك تنوعًا في الثقافات والأعراق، ويوضح دور التنوع الثقافي في التقارب بين الشعوب، وليس العكس.
ويجب أن نعترف بوجود عدد كبير من الثقافات واللغات ومستوىات التعليم، وأيضًا الأخلاق والقيم.
لكن ما أهميه اختلاف الثقافات في بيئة العمل :
1- توفر وجهات النظر المختلفة والخبرات المتنوعة مجموعة مختلفة من الآراء مما يضيف إلى أداء الشركة والمنشأة أفكارًا جديدة.
2- تنوع الثقافات والخبرات يوفر حلولًا أفضل للمشكلات وكثيرًا ما تأتي الحلول من تنوع الثقافات والخبرات، ويعبر عن ذلك المصطلح المعروف في علم الإدارة (best practice) أو أفضل الممارسات العالمية. فبدلًا من ضياع الوقت والمال في سبيل إعادة اكتشاف العجلة ربما يكون الحل جاهزًا، ولا يحتاج غير اتصال هاتفي أو بريد إلكتروني للحصول عليه.
3- قاعدة جماهيرية كبيرة: يشكل تنوع الأيدي العاملة، وتنوع ثقافات الموظفين في الشركات إلى إظهار الشركة بشكل أكبر، وهذا يعطي سمعة إيجابية.
4- أرباح أعلى: إذا توفرت المستويات العالية من الاختلاف سواء الثقافي أو العرقي فعادة تزيد أرباح الشركات بنسب معقولة جدًا.
5- معظم الشركات العالمية الكبرى تحتوي على عدد كبير من الجنسيات بل إن هناك شركات يعمل بها موظفون من أكثر من 200 جنسية.
إن الحديث عن اختلاف الثقافات ليس اختلاف الخطاب الثقافي وحده، ولكن هو تنوع أساليب الحياة وطرق المعيشة واختلاف الآراء، وتنوع الطعام وسلوك المجتمعات؛ فالمفهوم الثقافي واسع جدًا.
إن ثقافة العنصرية والكراهية والمشاعر غير الودودة، والتعصب هي آفة من آفات المجتمعات، وهي عكس روح الانفتاح والتواصل، والتعاون المشترك حتى يسود التسامح والسلام.