قال صاحبي: استمعتُ لمقابلاتك حول جولة ولي العهد الخليجية، وقد ذكرت أكثر من مرة عبارة إعادة هندسة مجلس التعاون، فما المقصود بهذه الهندسة، وكيفية تحقيقها، وهل آن أوانها؟
يحق لنا أن نصف هذا العام 2021 بأنه عام الخليجي بامتياز، ففي بدايته عقدت قمة العُلا “الحادية والأربعون” التي كان عنوانها الأبرز لم الشمل، ووحدة الصف، وفي نهايته قمة خليجية اعتيادية، لكنها تنعقد في ظروف استثنائية، وما بينهما جولة خليجية قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، شكَّلت في مخرجاتها تحولًا مهمًا في مسيرة العمل الخليجي المشترك، تجلى خلال هذه المحطات الثلاث الدور السعودي القيادي، المحقق لرؤية خادم الحرمين الشريفين في القمة السادسة والثلاثين؛ “هذا المجلس وجد ليبقى.. وليصبح أقوى”.
ولأن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تنطلق من مرتكزات عدة، يقع في مقدمتها الدائرة الخليجية؛ لذا أولتها القيادة السعودية اهتمامًا خاصًا، تسعى من خلاله لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، فهذه العلاقة تجاوزت المبادئ المتعارف عليها في العلاقات الدولية، فهي أكبر من أن تُحسب بالأرقام، فعلاقتنا أكبر منها، مع أهميتها، ودورها في قيادة العمل السياسي، وتوجيه دفته.
هذه الفلسفة تصدق على العلاقات الدولية، كعلاقة الخليج مع الدول الأخرى مثلًا، لكننا في مجلس التعاون يجمعنا كيان واحد، ومن منبع واحد، وأنظمة سياسية، واجتماعية، ودينية وثقافية، متشابهة، ومصيرنا مشترك، ورؤانا متقاربة، وطموحنا متماثل، وطريقنا ذو اتجاه واحد، فكل ما يربطنا واحد، فلماذا لا نصبح واحدًا؟
ومن هنا ينبع إيمان قادة المملكة بأهمية التواصل واللقاءات، والتشاور المستمر بين قادة دول الخليج العربي، من أجل تقاسم رؤية واحدة مشتركة تجاه مختلف الملفات، الذي بات اليوم أكثر ضرورة وإلحاحًا من أي وقت مضى، في ظل ما يمر به العالم والمنطقة تحديدًا من تغيرات جيواستراتيجية تتطلب الاستعداد لأي مفاجآت مستقبلية، والتي لا تستثني دولة دون سواها، ليس لأن المصير مشترك فقط، بل لأن المشروعات التي تتهدد المنطقة لا تقوم إلا على أنقاضها مجتمعة، فنحن بحاجة ماسة لمشروع خليجي حقيقي متماسك في مقابل هذه المشروعات المدمرة.
كانت تطلعات الآباء المؤسسين-رحمهم الله- التي عبروا عنها في صياغة ديباجة مجلس التعاون في أبو ظبي في عام 1981، الانتقال بهذا الكيان من مرحلة التعاون، إلى مرحلة التكامل وصولًا للاتحاد، لقد كانت نظرتهم تستشرف المستقبل، ورؤيتهم لهذا المجلس تنبع من إدراكهم لأهمية التكامل، فهو الذي سيمنح هذه الدول الست القوة على الصعد كافة، فالعالم لا يحترم الدول المنفردة قدر احترامه للكيانات المتحدة والمتعاضدة، فكلمتها مسموعة، ومواقفها يُحسب لها ألف حساب.
ومن خلال متابعتي لما ورد في إعلام دول الخليج، ووسائل التواصل الخليجية، تكاد تجمع على مضمون واحد، مرحبًا بصانع التغيير، فالجميع يدرك أن سمو ولي العهد لديه حلم العمل الجماعي، والاستثمار الأمثل لجميع الإمكانات بما يعود بالنفع المشترك على جميع دول الخليج، التي تتمتع كل دولة منها بمزايا نسبية عندما تتكامل مع بقية شقيقاتها تصبح أقوى ويعم نفعها الجميع، ولازلنا نتذكر كلمة الأمير محمد بن سلمان في منتدى الاستثمار، عندما قال: لدي حلم أن تصبح هذه المنطقة أوروبا الجديدة، العمل الجماعي المشترك، النابع من استراتيجية واحدة، ستحقق هذا الحلم، وستحميه -بإذن الله-.
تأتي القمة الثانية والأربعون لمجلس التعاون في ظروف مختلفة، فالحليف الأمريكي انعطف شرقًا بحثًا عن مصالحه، والملف النووي الإيراني يُشكل تهديدًا خطيرًا لدول المنطقة، في حال رفضه أو الاتفاق عليه، فالمنطقة في كلتا الحالتين هي من ستدفع الثمن!، إضافة إلى وجود مهددات اقتصادية، وصحية، وأمنية، وغيرها، جميع هذه المتغيرات تُمهد الطريق أمام دول المجلس؛ لأن يبدأ عقده الخامس باستراتيجية جديدة، تستوعب المتغيرات الحالية، والمستقبلية، بطريقة ديناميكية، وبرؤية واحدة، لا تقبل التجزئة والتجاوز.
قلت لصاحبي:
يد الله مع الجماعة.