كثيرون تنبأوا بأن التجربة الخليجية لن يُكتب لها النجاح، وكثيرون كان يحلو لهم مقارنة تلك التجربة بتجربة الاتحاد الأوروبي التي حققت إنجازات وحدوية أكثر، وكثيرون أيضًا كالوا للتجربة الخليجية الانتقادات بدءًا من البطء في تحقيق الأهداف المتوخاة من التجربة، والتي يفترض أن تتكلل بالوحدة الخليجية في مدى زمني ضمن سقف زمني معقول ربما تخطته التجربة دون أن يتحقق هذا الهدف.
لكن نظرة سريعة لتجربة مجلس التعاون الخليجي بعد أربعين عامًا من انطلاقتها تُشعرنا بالارتياح، وتجعلنا نعتز بالتجربة، ونتفاءل بقدرتها على تطوير صيغة اتحادية غير مسبوقة في المنطقة أكثر تفاؤلًا واندماجًا وتجانسًا. صحيح أنه لم تظهر حتى الآن العملة الخليجية الموحدة، ولا جواز السفر الخليجي الموحد، ولا البنك الخليجي الموحد ولا السوق الخليجية المشتركة، لكن ظهر ما هو أكثر من ذلك، عندما عبرت الوحدة الخليجية عن نفسها خير تعبير من خلال موقف خليجي موحد إزاء الأزمات التي شهدتها المنطقة منذ بدايات عقد الثمانينيات بدءًا من اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية ونهاية بالأزمة المفتعلة التي أثارها وزير الإعلام اللبناني مع السعودية.
وقد اكتسبت جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخليجية أهمية استثنائية؛ كونها جاءت عشية القمّة الخليجية الثانية والأربعين، وكونها جاءت استكمالا لمسار المصالحات الذي أقرّ في القمّة السابقة في مدينة العُلا، وتعزيزًا لهذه المصالحة التي تفتح صفحة جديدة في مسيرة المجلس في اتجاه تحقيق أهدافه في التكامل وصولًا لهدفه النهائي الذي يتمثل في الوحدة الخليجية التي تعتبر أمل كل مواطن خليجي.
أما الأهمية الأخرى للجولة عدا توقيتها فتتمثل في توحيد المواقف إزاء قضايا المنطقة وتفعيل الجهود من أجل تحقيق انفراج وحلول توافقية لهذه القضايا من خلال المرجعيات والقرارات والمبادرات الإقليمية والدولية استنادًا إلى واقعية تلك الحلول، وقدرتها على حل الأزمات التي تُعاني منها بعض الدول. فعلى سبيل المثال هناك المبادرة العربية للسلام، وحل الدولتين في الحالة الفلسطينية، وهناك حصر السلاح في لبنان بالمؤسسات الشرعية” و”ألّا يكون لبنان منطلقًا لأي أعمال إرهابية أو حاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها (كحزب الله الإرهابي)، أو مصدرًا لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم. وهناك وقف التدخّلات والمشاريع الإقليمية التي تهدد وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، وأيضًا ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وضرورة العمل من أجل الحيلولة دون تجنيد اللاجئين الأفغان في مناطق النزاعات المختلفة، وهو ما نصَّت عليه وتضمنته البيانات المشتركة في زيارة سموه للدول الخليحية الشقيقة الخمس.
أما الأهمية الثالثة للجولة، وللقمة التي تعقبها بعد أن تهيأت لها كافة سبل النجاح فهي مواكبتها لاجتماعات فيينا بين إيران ودول 5+1 بشأن الملف النووي الإيراني، والتي ترفض فيها إيران البندين المتعلقين بضرورة اشتمال المباحثات على ملف الصواريخ الباليستية وتدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول الإقليم، وهو ما ترفضه إيران حتى الآن، واستمرار تطويرها لبرنامجها النووي حيث نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% واستحداثها لأجهزة طرد مركزي جديدة، بما يعني اقترابها من تطوير مشروعها النووي إلى درجة مهددة لأمن الخليج.
المتوقع، والمؤمل أيضًا أن تشهد منطقة الشرق الأوسط – ومنطقة الخليج على الأخص- بعد جولة سموه وقمة الرياض الخليجية مرحلة جديدة من العمل العربي والخليجي المشترك أكثر قدرة على التحدي في مواجهة التهديدات الأمنية والأزمات والقضايا التي تشهدها المنطقة، لا سيما في ظل التطورات الكبيرة التي تحققت لدول المجلس على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي.