قبل أكثر من عقدين، تم تكليف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بتوفير خدمة الإنترنت في السعودية، وكان من ضمن مسؤولياتها متابعة المحتوى وتوفير التقنيات اللازمة لترشيح (تصفية وفلترة) الصفحات والمواقع لتمرير محتوى الإنترنت (اللائق) للمستخدم النهائي. بعد ذلك انتقلت مهام (ترشيح المحتوى) إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ثم انتقل الدور (التقني) إلى مزودي خدمات الإنترنت (ISP) وصار دور الهيئة (إشرافيًا)؛ بحيث تضع الشروط والسياسات العامة لتقديم خدمة الإنترنت، وترسل قائمة المواقع المحظورة (لا يسمح بمرورها مثل المواقع الإباحية والقمار والمخدرات ووو) إلى ISP، وتراقب مدى التزامهم بتلك الشروط. وحسب إحصائية (غير محدثة) تم تصنيف المواقع المحظورة حسب قائمة هيئة الاتصالات والمعلومات إلى: مواقع إباحية تمثل (92.80%) من القائمة، مواقع (القمار، المخدرات، السحر،..)، وتمثل( 2.77%) من القائمة، مواقع تُستخدم لتجاوز أنظمة ووسائل الترشيح، وتمثل ( 4.43%) من القائمة.
لا يخفى على كل ذي لب خطورة المواقع الإباحية، خاصة وقد صارت الأجهزة في متناول الأطفال (جوال – آيباد – لاب توب …)، وصار كل من يملك جهازًا يستطيع أن يرى العجب العجاب! لكن، هل يكون الحديث منطقيًا عن رقابة المحتوى (أي محتوى) في زمن ديب ويب (Dark Web)، دارك ويب (Deep Web) وبرامج وتقنيات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN) التي يمكن من خلالها تجاوز أدوات الترشيح وقوائم الهيئة وتقنيات مزودي خدمات الإنترنت؟ الرقابة (حجب المواقع) المفروضة (قسرًا) لن يكون لها تأثير، بل خسارة أموال وتبديد جهود، وفي الأمثال الشعبية يقال (من يبغى شيء.. ما يعيقه شيء)! إذن، لابد من تنمية الرقابة الذاتية عند (الجميع) ونشر الوعي باستمرار، وقد رأينا ما انتهينا إليه من فرض القيود والرقابة (الخارجية) التي أدت إلى التزام (ظاهري) ينكسر فورًا مع أقرب فرصة بعيدًا عن تلك القيود.
وحيث إن مبدأ الرقابة (من جهة ما) على (محتوى ما) لازال (فعالًا وموجودًا)، فإن هناك (مواقع تحتاج مراقبة) وأشد خطرًا من المواقع الإباحية وغيرها، تهدد أمن واقتصاد الوطن، وتستنزف أموال المواطنين والمقيمين في السعودية و(قد) تجعلهم عرضة للوقوع في شراك عصابات دولية محترفة تجعلهم أسرى الابتزاز بكل أنواعه، مواقع تزداد انتشارًا، وتستهدف السعودية تحديدًا، وتحتاج تكاتف عدة جهات أمنية وتقنية وتنظيمية لمنع (أو تخفيف حجم) الأضرار.
هناك مواقع على سبيل المثال (تصطاد) أصحاب المنشآت التجارية (الناشئة تحديدًا)، وتدعي قدرتها على القيام بمهام الوساطة وتسهيل (الصفقات التجارية)! هذه المواقع (ومن مبدأ إغراء وجذب العميل) تقوم بإرسال عشرات بل مئات من الصفقات التجارية اليومية من كل بلاد العالم، صفقات مغرية بالملايين! مقابل اشتراك سنوي تدفعه المنشأة السعودية التي تكتشف لاحقًا أنها (أي المنشأة) حصلت على صفعات وليس صفقات! وأسأل: ما دور الغرف التجارية في الكشف عن (ومتابعة) الشركات الوهمية وتحذير رجال الأعمال منها؟ وهل هناك تنسيق (مستمر) بين الغرف التجارية وهيئة الاتصالات والمعلومات لإنشاء وتحديث قوائم شركات الوهم تلك؟
هناك أيضًا مواقع تتخصص في جمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عن المواطنين! تختفي تحت ستار (مواقع التوظيف)، مستغلة الحاجة للحصول على وظيفة! فكيف إذا كانت وظيفة بمميزات مغرية وراتب شهري مرتفع؟ تحرص تلك المواقع على معرفة الجهات التي سبق أن عمل بها (طالب الوظيفة)، والقطاعات (الحكومية تحديدًا) التي تعامل مسبقًا معها، وأنظمة تقنية المعلومات الموجودة في تلك القطاعات. البيانات التي يتم جمعها عن (طالبي الوظائف) تشكل مخزن معلومات (Data Tank) ثمين، بعض الشركات قد (تبيع) تلك البيانات إلى شركات أخرى وبعض تلك البيانات قد يتسرب لعشرات ومئات من شركات التوظيف الوهمية التي تتواصل بدورها مع المواطن، وتقدم له المزيد من الأوهام مع وعد بتأمين الوظيفة مقابل مبلغ ما! ومنهم (أي من شركات الوهم) من يطالب (المتقدم للوظيفة) بكتابة تعهد بعدم إفشاء أسئلتهم حتى لا يتعرض (طالب الوظيفة) للملاحقة القانونية الدولية! وبعض (شركات الوهم) يطلب (الاشتراك السنوي) مقابل منح السيرة الذاتية فرصة أفضل عند جهة التوظيف!
وحتى يتم حماية المواطن وماله وبياناته، لم لا تفرض (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية) التوثيق والتسجيل على شركات التوظيف الدولية التي تستهدف السوق السعودي (حتى وإن كانت مكاتبها في الهند او السند أو غير ذلك …..)؟ لمَ لا تلزم الوزارة الشركات التي تعمل في السعودية بعدم التعامل مع شركات التوظيف غير الموثقة لدى الوزارة؟ مثل هذه الإجراءات تعطي الوزارة صورة أوضح عن توطين الوظائف، وحجم الوظائف الشاغرة، إضافة إلى حماية المواطن من المتاجرة ببياناته وابتزازه من قبل شركات التوظيف الوهمية.
ومن أمثلة ذلك أيضًا مواقع شركات الفوركس (المتاجرة بالعملات على الإنترنت)، إعلاناتها على مدار الساعة للمبادرة بالتسجيل في تلك المواقع وتكوين الثروات! وبعد التسجيل، تبدأ حملة من الاتصالات المتكررة لجذب السعودي للبدء بأقل مبلغ للاستثمار.
لدى تلك الشركات دراسات عن نفسية (فرائسهم) فيبدأ المتصل حديثه بالحكم الشرعي في المتاجرة بالفوركس ثم يبدأ بإغراء التمويل والرافعة المالية (90% ممن يتم الاتصال بهم لم يسمعوا عن الرافعة المالية من قبل)، وحتى يكسب المتصل ثقة (فريسته) يبدأ في تحذيره من (سوق الفوركس) ولابد (لمن يريد الاستثمار فيه) أن يكون على علم بأسراره أو الاستعانة بوسيط خبير، ثم يؤكد المتصل أن شركته هي من الشركات الرائدة في (الوساطة المالية) ومعترف بها في بريطانيا وبعض دول الشرق الأوسط (رغم أن المكتب الرئيسي للشركة قد يكون في جزر ترينيداد مثلًا)! تعلم تلك الشركات الوهمية قوة الاقتصاد السعودي، وتوفر السيولة، وتعرف أيضًا (قلة) قنوات الاستثمار التي تستوعب تلك الأموال (يظهر هذا جليًا عند كل اكتتاب جديد)، وتعلم أن النظام لا يسمح بوجود شركات الفوركس في السعودية! والسؤال هو: ما الذي يمنع من وجود مثل هذه الشركات داخليًا، لحماية أموال الناس (من المحتالين) وأيضًا لخلق قنوات استثمارية جديدة مع وضع الشروط التي تضبط عمليات المتاجرة بالعملات حسب الضوابط الشرعية المقررة من قبل الجهة المختصة؟ في السابق، كان العمل في البنوك أمرًا مكروهًا، وكثير من أنشطة البنوك وأعمالها كانت مرفوضة! ثم ظهرت حلول جديدة تتوافق مع الشريعة مثل: (المرابحة والإجارة ووو)، وصار لكل بنك لجنة شرعية تدرس المنتجات الجديدة حسب المتغيرات.
مثل المواقع المذكورة أعلاه (التوظيف – الوساطة التجارية والمالية) أولى بالحجب والتصدي لها، ويجب متابعتها (7/24) وكشف من يقف وراءها، أما أولئك الذين يستخدمون الطرق (التقنية المتعددة) لتجاوز قيود هيئة الاتصالات، ويحاولون اختراق ضوابطها والدخول على المواقع المحظورة، ومن يصرون على التعامل مع مواقع غير موثقة، فلا يلومون إلا أنفسهم إذا ما تعرضوا للنصب أو تم توريطهم في أعمال مخالفة للقانون.
خاتمة:
يتكرر منذ عدة سنوات وعبر كافة المواقع (الإخبارية والرياضية ووو) خبر عن فنان شهير اعتزل الفن، واكتفى بتنمية ثروته الضخمة التي جمعها من خلال الاستثمار مع (شركة الوساطة المالية س)، والخبر الثاني عن خادمة آسيوية اشترت فيلا كفيلها بعدما أصبح لها رصيدًا (مليونيًا) من المتاجرة بالعملات! ولازال هذان الخبران مستمران (وغيرهما) بدون حجب أو منع.