إنما الرجال فوارس.. لكنما لا سلطة تعلو على النسوان
كأنما استقرأ ( نزار قباني)ذلك المغزى الذي ظاهره العنفوان والقوة الخارقة للمرأة التي تهزم بها الرجل الجسور لترديه في أكنافها مهزوزا مأسورا من حديث الرسول ﷺ : (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن)
تلك إحدى الحكم التي تجعل المرأة ذات سلطة عاطفية أن جعل قوتها في مكمن ضعفها للتموضع في الوجدان؛ نفاذا للقلب بشعاع ليزر خارق حارق يزلزل الكيان ويفتك بالألباب!!
ولئن غيبت الحقب الغابرة المرأة في ظل هيمنة الظروف المحيطة والثقافة السائدة التي جعلت حياتها تغص بالمصاعب إلا نزراً يسيرا ممن كانت من ذوات الحظ السعيد بأن تنتمي لأسرة ذات وجاهة؛ كسلطة أو مال لتحظى هي وحدها بالراحة من بين مثيلاتها.. في حين أن الوضع إذ ذاك يتطلب نضالاً وكفاحا جريا وراء لقمة العيش؛ كفافا لا كفايةً، وبما يقيم صلب إنسان ذلك الزمن ويبقي عليه حياته فإن ذلك الكدح المؤلم لم يبقِ لإنسان ذلك الزمن مساحةً للرفاهية أو مجترأً للهوى والميل للآخر، لتكون تلك الوثيرة -بمقياس ذلك الزمن- محط انتباه بل فخر يتباهى بنيل ودها الشعراء!!
وهذا ما أشار له أمرؤ القيس على سبيل المباهاة بقوله:
وَتُضْحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها
نؤومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ
أي أنها إمرأة وثيرة مخدومة لا تفارق خدرها إذ ليست بحاجة للخروج والعمل الدؤوب!!
▪️وما إن مرت تلك السنون العجاف حتى أعقبتها أعوام حافلات ذات حياةٍ مترفة حظيت فيها المرأة بنصيب الأسد بعد أن تغشاها الحرص لئلا يعتريها التعب أو تنالها تقلبات الأحوال بذبول أو أن تصاب بأذى، وكأنما هو تحول جذري جاء بنصر وفتح مجيد بأن أضحت قريرة العين هانئة البال في جُنح أب حانٍ أو زوج مهتم راعٍ يخشى عليها الكُلفة أن تحمل ماخف وزنه من الأمتعة ناهيك عما ثقل أو كثر!!
▪️وهكذا دوليك تدور رحى الزمن لتأتي على المرأة موجة أخرى تعيدها لذات النصب والتعب؛ لتنتزعها من ذلك الكنف المحفوف بالرعاية والحنية لتلقي بها مجددا في معترك الحياة في سباق محموم من أجل العمل، ولربما العمل المضني، وكأنما طالتها لعنة الحضارة بشؤم القسوة والغلظة!!
▪️ولا فرق هنا إن كانت هي اختارت لنفسها جهد الشقاء أو كانت مرغمة للنزول لسوق العمل لتصرف على نفسها أو على من تعول فإن ذلك سيقودها للفقد، وإن كانت حاضرة شخوصا إلا أن ذلك سيفقدها الروح وسيجدب وجدانها وستشح معه ينابيع قلبها الخصب بالوداعة والود بل سنتفاجأ – نحن الرجال- بأن تلك الواحة الغناء والظل الوارف والطائر الصادح بأجمل الأنغام قد تحولت لهشيم محتضر بعد إن أخذت منها مطالب العمل حيزا كبيرا أزاح كماً هائلا من الأنوثة التي هي موضع السحر المكرس لإخضاع الرجل ليبادلها ذلك الشعور الجميل!!!.
ولربما لن يتوقف الأمر عند تعبها الجسدي أو إرهاقها البدني بل الخشية من ارهاصات ذلك الاحتدام كانعكاس نفسي لما تلاقيه من ضغوط في بيئة العمل أو ما قد يفرض عليها من إيدلوجيات تغير برمجتها العصبية لتبدو بنمط مغاير، الأمر الذي أورث إفرازات متباينة أوجدت لدى البعض تساؤلات محيرة أو صراعات مزلزلة أو تداعيات مربكة!!
▪️نعود لـجدلية (نزار قباني)، ياترى هل ما يدور في الدائرة النسوية من قول: (وريه العين الحمراء) هي تلك السلطة المعنية أم أنها بذلك المفهوم المغلوط تؤجج صراع الوجود بل السيطرة المحتدمة بين من يريد أن يتبوأ ذلك الهرم الإداري في نطاقه الأسري أو الجماهيري العام؟!
▪️وهل تغير المدرج المعياري لكلي الجنسين تبعا لتغير نمط الحياة ومصفوفة الحقوق والواجبات، بدلا من أن تكون الحياة تفاضلا وتكاملا أضحت تنافس سلطوي أو قل: تنافس على فرص المراتب والمرتب بلوغا لحصيلة مادية في إطارٍ ينشد من خلاله الرفاه والاستقلالية بعيدا عن فرض الوصاية التي تؤول لأن تكون المرأة نداً لا وداً ولطفا!!
▪️هل للفكر النسوي المضلل الذي بدأ يطفو على السطح دور في نقل الصراع من ميدان التعاون المشترك المتكافيء إلى معركة ملتهبة يخرج منها المنتصر خاسرا يجر ذيول الندم لأنه فقد شطراً لا يكتمل إلا به مهما تزينت الظروف لتبدو كسراب بقيعان ما إن يقترب منه حتى يتلاشى في خداع كاذب وزيف غادر تصنعه تلك اللوبيات الموجهة أصلا لتفكيك الأواصر ولقلب طاولة العلاقات بين المرأة والرجل لتبدو متوحشة كاسرة بعد إذ كانت وادعة آسرة كسلطة ناعمة تجعل من تلميحات مطالبها أوامر مجابة بـ(لبيك وسعديك).. لتحلّ محلها المقاومة والمقارعة والمدافعة بدل من المؤازرة والتعاون المحموم بكأس الغرام والهيام عشقا كطائري سلام يسودهما الود والوئام!!
هل ذلك تنبؤ يفهم بظاهر اللفظ لا بمغزاه يا نزار، أم أن الزمن غدر بذلك التعبير فقلب ظهر المجن تغريبا (لبني يعرب) ليجعل من المعتاد مريبا، ومن التجديد تجديفا فاشلا تغرق معه سفينة النجاة لتسقط في وحل غائر لا تعود بعده لسابق عهدها وسالف ودها؟!! ..
وهيهات أن يعود بنا الزمن لنستمتع بمزايا تلك العطوف الودود التي طالما تغنى برقتها ووداعتها ولطفها المقاتل تحت ظل السيوف ليجعل من صورتها ونغم صوتها الشجي وقودا يمنحه القوة ليفاخر بذلك النزال أمام حشد مشاعري تنوء بكلكله القلوب وإن كانت كصم الجبال صلابة وقوة!!!.
✍ و هل المرأة هي المرأة، وهل زادها الوهج حضورا أم غيابا؟!
وهل أصبح الوصل بها كفافا لا له ولا لها أو آل لعلاقات رمادية أو قل مغلفة بالرسمية ومن يتعد حدوده يلق جزاءه الرادع؟!.
وهل للعقوبات المفروضة حاليا في إطار حماية المرأة بصيغتها وقوتها القانونية أثر إيجابي أم أنها زادتها نفورا، إذ يخشى الرجل الاقتراب منها كخشيته من السجن والغرامة وبالتالي زادت الفجوة لتصنع إذ ذاك خرسانة مدججة بالحديد مما يفاقم العنوسة أو يزيد تغطرسها وتعاليها أو محاولة انفصالها واستقلالها كمتصرفة؛ لا سلطة تعلو على سلطة النسوان!!!
✍ ربما يعد الحديث هنا تضخيما باعتبار أن الغالبية تنعم بذات الطبيعة الأنثوية الحانية والتعامل الراقي واللفظ الأنيق إلا أن الموجة وإن بدأت هادئة إلا أن الأعاصير تدفعها بقوة لتتحول لفيضان جارف لا يبقي ولا يذر يسحق كل من يقع تحت وطأته ليرتدي رداء الحضارة المزركشة بالتنميق الغربي الذي يهوي بنا في هوةٍ سحيقة ماحقة لمعاني الخير والبركة بل وللسكينة والطمأنينة في ظل أسرة يسودها الوئام والانسجام والهدوء والحب العارم الذي يزين جنبات البيت المسلم ليكون الغراس أجيالا صالحين نافعين لخيري الدنيا والآخرة.. ثم لنتبرم إذ ذاك لنكون أمثال من يخطط لتفكيك أسرنا ومجتمعنا لا أمثلهم طريقة ونهجاً؛ تمردا وعقوقا لديننا وقيمنا ومعتقداتنا ومثُلنا القويمة التي تجعلنا في أمان من كل اختراق!!
ختاما، الحديث هنا لا يعني الامتعاض من عمل المرأة، وإلا فمن يقوم بالتعليم والتطبيب والتمريض وكثير من تلك التي تتطلب مشاركة المرأة كشخصية اعتبارية ذات وزن كبير في مجتمعنا المسلم إلا أن إعمالها في مهن لا تتناسب وطاقاتها الجسدية أو أن تكون في مواجهات تكرس الأزمات النفسية فذلك ما يجب التنبه له حفاظا على مكون أساسي؛ لئلا نجده يوما مخدوش اليدين أو معطوب النفس أو مجروح القلب بسبب ضغط عمل أو قسوة مدير أو مزاحمة حقود أو حسود أو غادر ماكر!!
تلك ريحانة في زهرها الجمال وفي بوتقتها العطر الفواح، فهل لنا إلا أن نسقيها بري العود ونكسوها بمسك الخزام!!
والسلام ختام.