الشفافية هي كلمة جميلة تُشير إلى الصدق والوضوح والمصارحة دونما سرية أو كذب وتضليل، ومن غير تدليس وخداع، وتعتبر الشفافية أحد أهم عوامل نجاح الإدارة في خلق بيئة عمل إيجابية تكون فيها الأهداف والخطط واضحة ومفهومة، وتصبح المعلومات المتعلقة بظروف العمل والقرارات وكافة الأنشطة والأعمال متاحة لجميع العاملين في المؤسسة. كما أن ممارسة المسؤول للشفافية في تعاملاته يبعده من أن يكون موضعًا للشبهات كما يجعله يعيش بمنأى عن كل ما يمس كرامته أو أن يجعل أمانته وكافة تصرفاته على المستوى الإداري والمالي من أن تكون محل ريبة أو شك. والمشكلة في أن الشفافية رغم كونها من أكثر المصطلحات التي تصل إلى مسامعنا بشكل يومي، ولكن على أرض الواقع نجدها مختفية ولا تكاد ترى في الكثير من المؤسسات. بل الغريب أن نجد أن أكثر من يتحدثون عن الشفافية هم أكثر الناس بُعدًا عن ممارستها.
ومن الطريف فقد أخبرني أحد الأصدقاء بأنه وفي اجتماع مع مدير عام المؤسسة التي يعمل بها، كان المدير يتحدث عن الشفافية وأهميتها وأسهب في الحديث عنها، يقول صديقي: وقد كان لي موضوع متعثَّر في إدراج الإدارة ولا أدري ما تم بشأنه، وعندما فتح المدير موضوع الشفافية؛ فقلت لعلها فرصة كي أعرف ما تم بشأن موضوعي، وعندما سألت المدير: راوغ وماطل، وقال موضوعك لدى معالي الوزير!! ولم يصلني رد عما تم بشأنه، يقول صديقي فقلت له: لعلك تخبرني من منطلق الشفافية التي تُنادي بها؛ هل تمت الموافقة عليه أم الرفض؟ فتلعثم وكح، وكاد أن يغص ثم قال بحدة: قلت لك لا أستطيع أن أخبرك قبل أن يصلني رد معاليه بشكل رسمي، ثم أردف قائلاً: ذكرني باسمك! وهي (رسالة تهديد) لمن أراد أن يسأل!! عندها تدخل أحد مساعديه ونادى قوموا إلى شفافيتكم يرحمكم الله، عفوًا قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله، فكانت الصلاة مخرجًا جميلًا للخروج من نفق شفافيته المظلم!!
يقول صديقي عرفت حينها بأن مديرنا ليس بمدير شفاف، وإنما هو مدير فشفاش، وكلمة فشفاش في معاجم اللغة لمن لا يعرف معناها الحقيقي تعني كذاب، ومفتخر بالباطل، ويقال فشفش الرجل: أي ضعف رأيه، أو أفرط في الكذب وانتحل ما لغيره. وربما من خلال هذا المعنى جاءت تسمية (منتج الفشفاش) المحبب لدى الأطفال، حيث إن كيس الفشفاش يبدو كبير الحجم منتفخًا وخادعًا للطفل وبشكل مغرٍ، فإذا ما تناول الكيس بيده فإذا هو خفيف الوزن، وعندما يفتحه، ويبدأ بتناول حبات الفشفاش، وإذا بها هشة ربما تذوب في يد الطفل قبل أن تصل فمه. ولو أدرك المدندن بالشفافية ما تهدف إليه من أهداف سامية، وما تنشره من قيم فاضلة في بيئة العمل تُساعد الإدارة في تحديد مواضع القصور، وتكشف من خلالها عن مواطن الفساد الإداري والمالي وتعمل على علاجها، وقبل ذلك تسهم في التخلص من الغموض والضبابية التي تحيط بالأنظمة والإجراءات وبآلية اتخاذ القرارات؛ وبخاصة تلك التي تتعلق بمصالح الموظفين بصورة مباشرة؛ الأمر الذي يعمل على زيادة الثقة بين إدارة المؤسسة وكافة منسوبيها. لو أدرك المسؤول الفشفاش كل ذلك؛ لما أخفى أية معلومة تتعلق بمصلحة أي شخص من منسوبي المؤسسة.
خاتمة:
تضمنت رؤية المملكة 2030 عددًا من المحاور التي نص أحدها ضمن سياقه على: “سنستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات”.
————————
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة.