يسعى الإنسان دائمًا إلى تنويع مصادر دخله رغبةً منه في تحقيق مستوى معيشة متميز، وتوفير سبل الراحة له ولأسرته طوال حياته أو حتى بعد مماته؛ وذلك بتنويع مصادر دخله لاسيما، وأن جميع الدول تسعى إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي تفوق معدلات النمو السكاني فيها واضعين في اعتباراتهم أن هذه المعادلة لن تحقق إلا عن طريق زيادة الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال للعمل داخل البلاد؛ حيث إن المناخ الاستثماري في أي مجتمع يُعد الركن الرئيسي لنهضته وتطوره، بل إنه من أهم المقومات التي تدعم اقتصاد البلاد بشكل عام حيث يساعد على تنميته وتطويره؛ لأن الاستثمار بمختلف أنواعه يُشكل رافدًا مهمًا في توفير فرص عمل للأفراد، كما يساعد على زيادة نسبة الإنتاج المحلي ممّا يؤدي إلى تحريك العجلة الاقتصادية وتطويرها.
وعطفًا على هذه النظرة الشمولية للاستثمار؛ فإن الموقع الجغرافي المتميز للمملكة يحتم علينا طرح موضوعه للنقاش، وإبداء الرأي حول المعوقات التي تعترض طريق المستثمرين صغارًا كانوا أو كبارًا؛ وذلك لما تمتاز به مملكتنا الغالية من إمكانيات وموارد تجعلها رائدة في مجال الاستثمار المحلي أو الأجنبي؛ وذلك لأجل فتح مزيد من فرص الاستثمار التجاري والتدفقات الاستثمارية باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية المستدامة؛ وخصوصًا بعد التحولات الكبيرة في موازين القوى الاقتصادية العالمية والتحول نحو الأسواق الناشئة.
ومن هذا المنطلق؛ فإنه يجب على الجهات المعنية بقطاع الاستثمار في كافة مجالاته أن تقوم برصد أفضل الفرص المستقبلية؛ لتوطين الاستثمار، وخلق بيئة جاذبة لكافة المستثمرين؛ وذلك باستحداث أنظمة تعاون جديدة من شأنها منح الدافع القوي للتوجهات التنموية والاستثمارية لا سيما، وأنه في السنوات الاخيرة تعالت صيحات الكثير من المستثمرين الذين بدأوا يواجهون سيلًا جارفًا من الأنظمة القاسية والغرامات الموجعة التي قصمت ظهور الكثير منهم، وتلك الاشتراطات الإنشائية والهندسية التي تعدت حدود الخيال، وباتت حجر عثرة لكل من يحاول الدخول في سوق الاستثمار فألقت بظلالها سلبًا على المستثمر الناشئ، وكانت السبب في تكبد أرباب العمل خسائر مالية كبيرة وإقفال العديد من المحلات التجارية التي باتت خاوية على عروشها بعد سنين طوال من الاستثمار والعمل ليل نهار، فجاءت تلك الخسائر مزدوجة فالمستثمر أقفل باب رزقه بسبب كثرة الضغوطات عليه، وأصحاب المنشآت التجارية فقدوا المردود المالي من تلك المحلات؛ فأصبحت كأنها كهوف مهجورة لا حراك فيها ولا حياة، وكل ذلك بسبب عدم الاستقرار في التشريعات المنظمة للاستثمار، وانعدام الثقة بين المستثمر والجهات المشرعة له؛ فكثرة التعديلات والاجتهادات في القرارات التي أقل ما يقال عنها: إنها تعسفية جعلت المستثمر في قلق وعدم اطمئنان باستمرار.
ومع أن كل العقبات السابقة تعد كفيلة بعدم الحلم أو التفكير في الاستثمار بأي شكل من الأشكال، إلا أن أهم عقبة حقيقية واجهت المستثمر المحلي هي طبيعة الكادر الإداري والرقابي التي تتعامل مع المستثمر، وكأنه عدوها اللدود، لكثرة التعقيدات المرتبطة بذهنية العقلية البيروقراطية والتي للأسف هي أولى حلقات الطرد لأي مُستثمر راغبًا في الاستثمار، خاصة عندما يصطدم بتعقيد الإجراءات الحكومية المتعلقة بالترخيص للاستثمار، وبطء التنفيذ والتأخير المستمر والمتعمد مما يؤدي إلى ضياع وقت المستثمر بسبب تلك البيروقراطية في إنجاز المعاملات.
وكذلك عدم وجود كوادر بشرية مدربة، وذات كفاءة عالية في إدارات أجهزة الاستثمار .
وختام القول؛ فإننا إذا ما أردنا تجاوز هذه العوائق والحواجز التي خلقت جوًا غير صحي في مجال الاستثمار؛ فإنه يجب على الجهات المناط بها خدمات الاستثمار ورواده ألا تواجه تلك العوائق بالأسلوب التقليدي الذي يتمثل في العمل على تعزيز الصلاحيات الممنوحة لهيئة الاستثمار، بل إن ذلك لن يكون إلا بتعديل قوانين الاستثمار ومنح المستثمر المزيد من الدعم والتسهيلات، وخلق لفرص كبيرة وحقيقية لاستقطاب المستثمرين، وتكوين بيئة استثمارية سليمة وسلسة في الإجراءات والتعاملات.
وخزة قلم:
من معاول هدم الاستثمار المحلي كثرة الإجراءات المجحفة، وتعدد مرجعيات المعاملة الاستثمارية، وعدم إنجازها في مكان واحد.