تشترط أغلب الجامعات السعودية -إن لم يكن جميعها- اجتياز اختبار التوفل TOEFL أو أيلتس IELTS واختبار القدرات للقبول في مرحلتي الماجستير والدكتوراة.
أتفق على أن التخصصات العلمية كالطب والهندسة مثلًا التي تُدَّرِس مناهج ومقرراتها باللغة الإنجليزية منذ مرحلة البكالوريوس قد تحتاج تلك التخصصات فعلًا لشرط اللغة الإنجليزية في الدراسات العليا، بحكم التخصص العلمي، أما الإشكالية تكمن في التخصصات الأدبية التي تُدَّرَس مناهجها باللغة العربية، لماذا تشترط اللغة الإنجليزية كشرط للقبول في الدراسات العليا؟! رغم أن المراجع والكتب والمقررات والواجبات والبحوث والاختبارات باللغة العربية وأعضاء هيئة التدريس عرب والدولة عربية، ثم هل الجامعات الأجنبية تشترط اجتياز اختبار اللغة العربية؟! الجواب بالنفي؛ لأنه لا فائدة من دراستهم لهذه اللغة، كونهم غير عرب ومناهجهم غير عربية وأساتذتهم غير عرب، رغم وجود العديد من البحوث العلمية الرصينة والحديثة باللغة العربية في الدول العربية.
قد يقول قائل حتى يتمكن طالب الدراسات العليا أن يرجع لمصادر أجنبية ولكل جديد في العلم والتخصص ويترجمه، أقول أتفق مع هذا الهدف، ولكن أليس نحن الآن في عصر أتمتت مصادر المعلومات كالكتب والرسائل العلمية في المكتبات الجامعية والعامة، وعلى الأون لاين، وكذلك وجود برامج إليكترونية للترجمة بطريقة سهلة وسريعة وبضغطة زر واحدة، إذن ما الداعي من وضع عقبة اللغة الإنجليزية حجر عثرة بطريق الراغبين في الالتحاق بالماجستير والدكتوراة؟! بسبب هذا الشرط التعجيزي وعائق اللغة الإنجليزية؛ فيُحرم نسبة كبيرة من الطلاب والطالبات من تحقيق طموحهم، فقد يكون من هؤلاء الطلاب متميزين وعاشقين للتخصص، وقد يبدعون فيه وينفعون المجتمع مستقبلًا، ويطورونه ويديرون مؤسساته بالعلم، وفي المقابل يتم قبول المجتازين لاختبارات اللغة الإنجليزية كونهم حاصلين على دورات إنجليزية أو كانوا مبتعثين لدول أجنبية، وقد يكون بعض من هؤلاء الطلاب لديهم ضعف علمي في التخصص وغير مبدعين أو متفوقين فيه، فأيهما أهم أن يكون الطالب قويًا في التخصص؟! أم في القدرات واللغة الإنجليزية ألا يكفي تقديره الحاصل عليه في التخصص في البكالوريوس أو الماجستير؟!
لماذا لا تُتاح الفرصة لكل من يرغب في إكمال الدراسات العليا سواءً بالمجان، أو مدفوع الأجر، موظف أو غير موظف، حضوري أو عن بُعد؛ بهدف استيعاب الجميع لا سيما بعد أن أثبت التعليم الجامعي عن بُعد نجاحه في أزمة كورونا، وكذلك القبول للكل بدون شروط تعجيزية، ومنها شرط العمر لتمكين وتطوير الجميع حتى يستفيدوا وينفعوا بعلمهم ويطوروا جهات عملهم؛ ولتحسين الأداء الوظيفي والخدمة المقدمة لعملاء المنشأة وللمنشأة ذاتها، للحصول على التميز، وحتى لو لم يكن من أجل ذلك، وكان الهدف شخصيًا، وهو إشباع حاجة تحقيق الذات والإنجاز والتميز والأفضلية فقط من خلال الحصول على الدرجات العليا فوق الجامعية، فتخيلوا أن يصبح أغلب الشعب مثقفًا ومن حاملي الماجستير والدكتوراة، من غير الأكاديميين، فيكون لدينا مهندس دكتور ومدرس دكتور وضابط أو عسكري دكتور، ومحامي دكتور، وكاشير دكتور، وسائق ليموزين دكتور، وممرض دكتور، وتاجر دكتور، وطيار أو ملاح جوي أو أرضي دكتور، وموظف في المؤسسات الخدمية الحكومية وغير الحكومية دكتور بصفة عامة، سيكون برنامج طموح ويشغل أوقات أفراد المجتمع بالدراسة والتحصيل، فالنفس إن لم تشغلها بالنافع شغلتك بالضار، وكل ذلك سيصب في تنمية الوطن وتقدمه وتطوره؛ لتحقيق رؤية ٢٠٣٠ وما يتبعها من رؤى ثاقبة، بسواعد أبنائه المثقفين فيخدمونه بالعلم، فبقدر المستوى التعليمي سيكون مستوى الجودة النوعية؛ حيث تتيح لك درجة الماجستير والدكتوراة التعمق في مجال الدراسة أكثر وأكثر، وكذلك تناول كافة الجوانب الخاصة بذلك المجال، ودراسة جميع النظريات والبحث في كافة الدراسات الخاصة بمجالك، وهو ما يعمل على ثقل معلوماتك الخاصة، ولتكسب المهارات القائمة على الإبداع والابتكار والبحث، والذي سيعمل حتمًا على جعلك صائب القرار ومبدعًا للغاية في مجالك، وكذلك رفع مستوى تمكنك وقدرتك على استيعاب تلك الدراسات الخاصة بالتخصص الذي ستعمل به فيما بعد، مما يضمن لك تفوقًا وتميزًا في العمل، وهنا تكمن أهمية الماجستير والدكتوراة، فالعلم يبني بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرم.
أليس تمكين الدارس من الالتحاق بجامعات نظامية معترف بها من الدولة لتحقيق طموحه، أفضل من لجوئه إلى المكاتب والبقالات التي تبيع شهادات الماجستير والدكتوراة المزورة أو عن طريق الحصول عليها من الجامعات الوهمية أو غير المعترف بها في المملكة ذات الهدف الربحي لا غير، فيخسر الخريج ماله ويضيع وقته بلا فائدة، وفي النهاية يحصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراة في سنة واحدة!! فهل يعقل هذا؟! ويتخرج ضعيفًا علميًا لا يستفاد منه ولا يستفيد هو من هذه الشهادة الوهمية في التوظيف، ولا في الترقية ولا في التحسين الوظيفي، وأهم ما في الموضوع هو تحقيق هدفه، وهو الحصول على حرف الدال الوهمي الذي يسبق اسمه، فيُنَادَى يا دكتور فلان وهلا بالدكتور وحيا الله الدكتور وراح الدكتور وجاء الدكتور، وبالتالي يتساوى خريجو هذه الجامعات الوهمية الذين حصلوا منها على الشهادات الكرتونية مع خريجي الجامعات الرسمية والمعترف بها الذين أفنوا أعمارهم وسنوات حياتهم، واغتربوا من أجل التحصيل العلمي وفي النهاية كلاهما يصبح “دكتور”، وعجبي عليك يا زمان.
———————
مستشار أسري واجتماعي
ماجستير في الخدمة الاجتماعية