المقالات

إلى أين نحن ذاهبون؟!

 كان آباؤنا يروننا نحن مواليد الستينيات الميلادية من القرن الماضي جيل رفاهية ودلع وبذخ علمي بما توفر لنا من تعليم نظامي، وما استجد من مخترعات ووسائل وخدمات تسهم في تسهيل أمور حياتنا، بينما كانت طفولتهم صعبة ومتعبة بما اشتملت عليه من شظف العيش وضيق ذات اليد وصعوبة الحياة، وخصوصًا خارج المدن الكبيرة؛ حيث تشحُّ المياه ولا توجد كهرباء ولا مشافي ولا تعليم ـ إلا في الكتاتيب إن توفرت ـ ولا طرق معبدة ولا مواصلات إلا فيما ندر، بينما شهدنا نحن أبناؤهم بدايات النهضة المباركة التي انطلقت في بلدنا الحبيب؛ حيث بدأت تُنشأ المدارس والجامعات والمشافي، ومحطات الكهرباء، وتمتدّ الطرق غير المعبدة ثم المعبدة وتزداد أعداد السيارات. لم تكن طفولتنا المبكرة سهلة أبدًا بمقاييس اليوم خصوصًا في الأرياف؛ حيث كنّا نرعى البهم، ثم تزداد مسؤوليتنا برعي الغنم، والإسهام مع آبائنا في العناية بالمزارع وفي زراعتها وحصادها، ولم نكن نعرف شيئًا عن ألعاب الأطفال فضلًا عن مدن الألعاب والترفيه. كنّا نُصابُ بالدهشةِ مع كلّ ما يستجدّ في حياتنا من خدمات أو مخترعات تفد إلينا من الغرب أو من الشرق، وتسهم في خدمتنا وفي الارتقاء بجودة الحياة في مختلف جوانبها، ونسعد بها متى ما استخدمناها أو تمكنّا من امتلاكها. وتسارعت محطات التطور في حياتنا بشكل كبير، ولنأخذ مثلًا على ذلك الهاتف الذي لم يكن متاحًا في بداياته إلَّا في الإدارات الحكومية وفي القصور الكبيرة، ثم أتيح في بيوت المسؤولين عن طريق السنترال، وبعد ذلك أتيح لمن يرغب ويستطيع إدخاله لمنزله، ثم أدهشنا الهاتف السيار، وأخيرًا بدأنا مرحلة الجوال الذي بدأت خدماته بالاتصال الهاتفي فقط، ثم تسارعت خدماته ونمت مع دخول الإنترنت إلى المملكة عام 1999م، وتطور مع ابتكار المنصّات والتطبيقات المختلفة، وأصبح حاليًا في أيدي الكبار والصغار، وتتنافس شركات الاتصالات في توفير خدماته للمستهلكين. سرعةٌ مذهلة نشهدها في كلّ ما يدور من حولنا، وانتقال مدهش في جميع مناحي الحياة نحو التقنية والخدمات الرقمية، مما جعل عناء توفير الخدمات وتسديد تكاليفها ومتابعة حركتها حتى وصولها إلى طالبها لا يتجاوز ضغطة إصبع على جهاز كفي يعمل بتقنية الجيل الخامس للاتصالات (5G). وأصبح في الإمكان حاليًا استمرار العملية التعليمية في مختلف مراحلها عن بُعد في حالة خطورة الحضور الشخصي إلى المؤسسات التعليمية كما حدث مع جائحة كورونا، وكذلك عقد الاجتماعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنظيم الندوات المختلفة، والمشاركون فيها على الأرائك في منازلهم أو في مكاتبهم، ويحضرونها عن بُعد من خلال منصات التواصل الاجتماعي المربوطة بشبكة الإنترنت. وجاء الآن الوقت الذي نقول فيه لأبنائنا: أنتم تعيشون الرفاهية والدلع والبذخ العلمي الذي لم نعرفه في طفولتنا، وأصبحنا نلجأ إليكم لمساعدتنا إن احتجنا لخدمة تقنية نجهل التعامل معها، فشمّروا عن السواعد، واشحذوا الهمم، وكونوا أنتم المبدعين الذين يبتكرون ويصنعون الفرق للوصول ببلادكم إلى مكانتها التي تستحقها في مقدمة الأمم. والله وحده أعلم كيف سيكون حال الجيل الذي يليكم وماذا ستطلبون منهم لمساعدتكم. قال تعالى في محكم التنزيل: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button