المقالات

اِحْـــمِــرَارُ اِبْــنِ بُـــوْنَــةَ … وجَــارِي الــنَّــصْـــرَانِـــي مَـــايْــكُــل!!

(ضَـمِــير مَــكِّــي)

* (الـعَــربُ) إِبَّــان ثــورته الثقافية التي طَـافَـت الـكُـرة الأرضية وأَثْــرَتها، وَصَـــل بهم الــتـَّــرفُ المعرفي إلى نَــقْــل الـعُـلُــوم المختلفة في منظومات شعرية، ومنها: (الكافية الشّـافية) التي استعرض فيها (محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي، المتوفى سنة 672هــ) القواعِــد الـنّـحــوية في (3000 بيت)، لِـيــخْـــتَـصـرها بعد ذلك في أَلـفِـيّـتِـه التي تُــعَــدّ مِــن أهَـمّ مُــتــون الــنّــحــو العربي، لـيـأتي (المختار ابن بُــوْنَــة الشنقيطي في “بدايات الـقــرن الثالث عشر الهجري” لِـيْـضِـيْـفَ لها جُـملة من الأبيات تشرحها، وتُـكْـمِـلُ من القواعد ما قـد فاتها، وكانت تلك الأبيات تـكْـتَـبُ بالـمِـداد الأحمر تمييزًا لها عن الألفية، ولذا عُـرِفَــت بــ (الاحْـمِــرَار)!

* طبعًا لكم أن تعتبروني كما شِـئــتم، ولـكن في مـثــل هذه الأيام من كــلِّ عام مــيلادي أتذكــرُ (الـسّـيــد ابن بُــونة وأبياته الحـمــراء)؛ حيث يـسـيــطـر لُــــوْنُـهَــا على الساحات وحَــرْب الفتاوى، ففيما هناك مــن يُــحَــرِّمُ تَـدَاولَــه، باعتبار ذلك تَـشّـبُـهَــاً بــ (الـكُّـفَّــار)، الذين لايجوز تهنئتهم بــعِـيد الميلاد، هناك مَـن يرى أن لا محذورَ في ذلك!!

**********

* يـحـدث هذا الـجَــدل الفقهي السّـنــوي في قضية أراها هــامِـشَـيّــة بينما تغيب معظم الأصوات الواعظة عن مسائل أهَــمّ تـمـسّ تعاملات المسلمين وحياتهم اليومية في شتى صورها كــ(انتشار العقوق، والـظُّـلم، والاستيلاء على المال العام، والكذب والتزوير وأخذ الأموال بالباطل، والـتَّـنَــمُّــر، وهضم الأقوياء لحقوق الضعفاء، إلى غير ذلك من الممارسات غير الأخلاقية)!!

**********

* وهنا الـعَــالَــم من حولنا يسابق الـزَّمَــن في استشراف وصناعة المستقبل، أمَّـا نحنُ فيبدو أننا سنبقى ندور في ذات المكان أو المحيط، ونَـجْـتَــرّ القضايا نفسها، التي أرجو أن نتجاوزها إلى ماهــو أهَــمَّ، ويبقى الـفــتَــوى حَــقٌّ أصيل لعلمائنا الأجلاء، ولكني أتساءل: (إذا كـان جَــارِي نصرانيًا، وهو نبيل في أخلاقه، ورائع في تعامله معي، فهل أكون آثِـمَــاً إذا قــلــتُ له اليوم أو قبل يومين: “عِـيــدٌ سـعــيــد، وكلّ عام وأنت يـاصديقي مَــايْــكُــل بخير”؟! طَـيّــب إذا بـَــادرنَــي هُــو بالتهنئة بمناسبة شهر رمضان المبارك أو عِـيْــدَيّ الفطر والأضحى، فـبِـمَـاذا أُجِـيْــبُــه؟ ثــمّ مَــاذا عَــن (ابِــنِ بُـــونَــة) وقـد اختار رحمه الله لمنظومتِــهِ (اللون الأحْــمَــر) دون بقية الألوان؛ أتساءل فقط!!!

————————
تويتر : @aaljamili

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى