لم يكثر الحديث عن قضية المرأة ومساواتها بالرجل في أي عصر من العصور مثل عصرنا هذا، فالمطابع تخرج بين الفينة والفينة بكتب ومقالات كثيرة تتحدث عن هذا الموضوع، ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي تولي هذا الموضوع عناية خاصة، فهناك برامج (للنساء فقط)، وهناك مجلات وصحف تركز على موضوع المرأة ومساواتها بالرجل. ومثل هذا يمكن أن يقال عن دور السينما وما تنتجه من أفلام ومواد إعلامية، وتتابع المسلسلات والأفلام التي تعكس ما يدور في المجتمعات الغربية خاصة من تفاعلات حول قضية مساواة المرأة بالرجل، والتي أسس من أجلها كثير من الجمعيات أكثرها نسائية، وإن كانت تضم في عضويتها بعض الرجال، ولقد تغلغلت تلك القضية في كثير من جوانب الحياة، ابتداءً من فصول الدراسة، وانتهاء بالأحزاب السياسية، وتحولت بعض المجتمعات في ظلها إلى حزبين متناحرين ومتقابلين، وبدلاً من أن يكون كل من الرجل والمرأة مكملاً للآخر، أصحبا في معركة لا يخمد أوراها، ولا يفتر الاقتتال فيها، ونفر كل من الآخر، وانتشر الشذوذ الجنسي، والسّحاق، وزواج المثل، وهو أمور عند الكائنات الأخرى، ورغم الجهود المتواصلة لمساواة المرأة بالرجل، فإن الفرق لا يزال كبيراً بين الرجل والمرأة في معظم الدول، لا من حيث المرتبات، ولا من حيث تولي المناصب القيادية، ولا من حيث الانخراط في الأعمال التي تعتمد على العضلات، وعلى رباطة الجأش، وضبط النفس، ولا تزال أعداد النساء في القوات المسلحة قليلة، ولا تزال أعدادهن قليلة في مجالات الهندسة المدنية والمعمارية وشق وبناء الطرق والأعمال الإنشائية، لأن المرأة تنفر من تلك الأعمال لعدم موافقتها لطبيعتها. ومن أطرف ما يروى في مجال المنافسة بين الرجل والمرأة في الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الاحتجاج الذي قامت به بعض النساء المتطرفات ضد الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ولاية كارولاينا التي رفضت التحاق النساء بها لقسوة برامجها التدريبية. بدأت المعركة عندما تقدمت (شيرون فولكنر) للالتحاق بالأكاديمية، وعندما رُفض طلبها لجأت إلى القضاء، وشنت حملة إعلامية موسعة ضد سياسة الأكاديمية، وفي النهاية أجبرت المحكمة الأكاديمية على قبولها، ولكنها لم تستطع الاستمرار في البرنامج التدريبي للأكاديمية سوى أسبوع واحد. أعلنت بعده أنها فشلت في تحمل اختبارات الرجال، ولكنها دعت غيرها من الفتيات ممن لديهن قدرة أكبر على التحمل إلى الالتحاق بالأكاديمية بعد أن فتحت أمامهم الطريق. استجابت كل من (كيم مسر) و(جيني فيتابلوس) إلى دعوة شيرون والتحقتا بالأكاديمية، وخصصت لهما عنابر خاصة للسكن، وبرامج تدريس أخف وطأة من برنامج الرجال، ومع ذلك تركتا الأكاديمية بعد أن فشلتا في إكمال الدراسة، والغريب في الأمر أنهما لم تقولا إن طبيعة الدراسة والتدريب لا تناسب المرأة، بل عزوا فشلهما إلى ما سميتاه باضطهاد الرجال لهن.
وإذا ذهبنا نستقرئ الأسباب التي حالت بين المرأة الغربية والمساواة بالرجل، رغم تهيؤ الظروف لذلك، ورغم الجهود المكثفة سواء من الرجال أو النساء في هذا الاتجاه لوجدنا أن أولها وأهمها هو اختلاف طبيعة الرجل العضوية عن طبيعة المرأة، ذلك الاختلاف الذي يملي على كل واحد منهما أن يكون له دور خاص في الحياة مع تلك الطبيعة. (فألكسيس كارليل) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) يقول: (إن كل خلية في المرأة تصرخ: أنا أنثى). وهناك فروق حتى في تركيبة المخ، وفي عدد الخلايا، وفي طريقة التفكير كما تشير البحوث والدراسات، وكلنا يعلم أن المرأة وليس الرجل هي التي تقوم بالحمل وإرضاع الأطفال، والحمل يستمر تسعة أشهر، يتغذى فيه الطفل خلالها مما تتغذى منه الأم، ويختلط دمه بدمها، ويتنفس هواءها وتختلط روحه بروحها، ثم تأتي فترة الرضاع الذي قد يستمر حولين كاملين، يتغذى فيه الطفل بلبن الأم، الذي ينتجه جسمها، ويلتصق أثناء تلك العملية بصدرها، ولهذا تكون ألأم أقرب إلى الطفل من أبيه، لأنها حملته كرها، ووضعته كرها، وهو جزء منها، فعندما تقوم بتنظيفه فكأنها تنظف نفسها، أما الرجل فقد كان دوره في هذه العملية دوراً قصيراً وثانوياً، ومصحوباً بالمتعة. ولهذا يصعب على الرجل القيام بتنظيف الطفل، وهناك فيديوهات مضحكة لرجال حاولوا القيام بهذه المهمة، ومن أجل ذلك حازت الأم على 75% من استحقاق حسن الصحبة، وحاز الرجل على 25% فقط، كما جاء في الحديث الشريف عن أحقية الصحبة عندما قال: أمك ثلاث مرات وفي الرابعة قال ابوك، وجُعلت الجنة تحت أقدام الأمهات وليس تحت أقدام الآباء. يضاف إلى ما تقدم أن المرأة تتأثر بالعادة الشهرية، وبظروف الولادة، وكل ذلك يؤثر على وظيفتها وأدائها ويجعلها تقصر عن الرجل في ذلك، كما أن الرجل لا يمكن أن يجاريها في العناية بالأطفال والاحتفاء بهم. ولا نستطيع في حال من الأحوال أن نجعل المرأة مساوية للرجل إلا في حالة واحدة، وذلك عندما نتمكن من أن نجعل الرجل يحمل مرة وزوجه تحمل مرة أخرى، ونجعله يحيض شهراً وهي تحيض شهراً آخر، وأن نجعل الرجل مشابهاً للمرأة من الناحية العضوية والنفسية.. وكلنا يعلم علم اليقين أن في ذلك صعوبة بالغة تصل إلى مستوى الاستحالة، ولكننا لن نستغرب أن يأتي بعض من غسلت عقولهم وحادت عن فطرتها يطالب بإجراء العمليات ونقل الأعضاء لتحقيق هذه المساواة المزعومة فنحن نعيش في عصر يسير في كثير من اتجاهاته ضد الفطرة وضد طبيعة الأشياء..
ومن أجل ذلك نعتقد أن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل أمر مستحيل وخيالي، وأن الذين يركبون هذا المركب الصعب يضيعون جهودهم هباء وبددا.. إما جهلاً منهم أو تجاهلاً لهذه الحقيقة الواضحة، وإما لحاجة في نفس يعقوب تكون المرأة فيها هي الضحية دون أن تدري. إن النساء شقائق الرجال، وإن كل ميسر لما خلق له، وإن الرجال والنساء لباس لبعضهما، وما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم كما جاء في الأثر، والرجال والنساء وجهان لعملة واحدة، هما عماد الأسرة، وسبيل الاستمرار في الحياة، واختلافهما اختلاف تكامل وليس اختلاف تضاد كما يظن البعض، والمرأة هي الأم والأخت والعمة والخالة والبنت والزوجة، ويجب أن يسود التراحم والتعاطف والتآزر والتعاون بين الجانبين، وأن نبتعد عن الشحناء والبغضاء والقطيعة والتحارب على أمور لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة الذين يسعون إلى اختراقها بطرق مختلفة، والمرأة ودغدغة عواطفها، وتضخيم مطالبها، والمطالبة بحقوقها باب واسع من أبواب الاختراق. إن هناك الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى معالجة، وتحتاج إلى تغيير في أوضاع مجتمعاتنا، ومنها وضع المرأة الذي يجب أن يكون تغييره وفقاً لشرع الله ووفقاً لسنن الفطرة، ووفقاً لحاجة المجتمع ومتطلباته. بعيداً عن التعصب المقيت، وبعيداً عن الانجراف وراء الآخر الذي أصبح يجني الثمار المرة من تحرره المنفلت والتي تتمثل في ضياع الأسرة، وكثرة العقد النفسية والاجتماعية، وارتفاع معدلات الجريمة، واستخدام المرأة سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة، وكثرة الأطفال غير الشرعيين، وكثرة الشذوذ، وانتشار الأمراض الجنسية وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي يعترف بها أصحابها ويتحدثون عن معاناتهم من آثارها وعواقبها. وفي اللغة الإنجليزية مصطلحان الأول يتحدث عن المساواة (Equality)، والآخر يتحدث عن العدالة والإنصاف والمقاربة (Equity) والثاني هو الذي يجب استحضاره عند الحديث عن العلاقة بين الرجل المرأة، وهو ما يدعو إليه الإسلام، وما تؤيده الفطرة السليمة، وطبيعة الحياة ومجرياتها العامة. والله الموفق والمستعان.