تشهد كازاخستان منذ أيام مظاهرات انطلقت من العاصمة نور سلطان – استانا سابقًا – مالبثت أن عمَّت أنحاء البلاد، رغم شدة البرودة، وتراكم الثلوج والقمع العسكري العنيف إلا أن الشباب الكازاخستاني تحدى كل هذه، واستمر بالتظاهر والتنديد بالحكومة، وكان قرار الحكومة زيادة أسعار الغاز المُسال السبب والشرارة التي أشعلت تلك المظاهرات، ورغم أن الحكومة قد تراجعت عن قرار رفع الأسعار إلا أن المظاهرات لازالت مستمرة. وكازاخستان كانت إحدى الجمهوريات الإسلامية التى استقلت عن الاتحاد السوفيتي بعد تفككه، وهذه الجمهوريات وفقًا لبعض المحللين السياسيين يرون أنها بيئة خصبة لمزيد من القلاقل والمظاهرات السياسية مستقبلًا.
وجمهورية كازاخستان هي إحدى أكبر تلك الدول مساحة (2.7 مليون كم2). وعدد سكانها قليل مقارنة بالمساحة؛ حيث سكانها (18) مليون تقريبًا، وهي دولة غنية بالموارد الطبيعية؛ وخاصة الغاز الطبيعي والبترول واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد بشكل أساسي وذلك باستخراجها وتصديرها خام، وكازاخستان إحدى دول منظمة أوبك بلس المصدرة للبترول.
ولكازاخستان حدود طويلة مع كل من الصين وروسيا، وتعتبر ممرًا وجزءًا أساسيًا في مشروعَ حزام وطريق الحرير الصيني وموقعها الاستراتيجي بين آسيا الوسطى، وأوروبا وحدودها الطويلة مع كل من روسيا والصين يجعلها محل أطماع ومركزًا للصراع السياسي والاقتصادي.
لذلك تُشير الاتهامات إلى أيادي استخباراتية غربية في هذه المظاهرات ولعبة سياسية بين أمريكا والدول الغربية وبين روسيا؛ وذلك بتحريك الملفات الساكنة وبؤر الصراعات هناك للضغط على روسيا ومنعها من التمدد بأوكرانيا، ومع أن مثل هذا لا يمكن نفيه ولا إثباته إلا أن هنالك أسبابًا أخرى لهذه المظاهرات مثل الفساد السياسي والاقتصادي والفقر والبطالة، وتردي الأوضاع المعيشية التي تُعاني منها كازاخستان.
وقد تدخلت روسيا عسكريًا لإخماد هذه المظاهرات بطلب من الرئيس الكازاخستاني وفقاً لاتفاقية أو معاهدة الأمن الجماعي بين روسيا وبعض الدول المنفكة من الاتحاد السوفيتي، ومنها كازاخستان كما أن روسيا لن تسمح بالتدخل بمناطق نفوذها، وهي التي ورثت الاتحاد السوفيتي، ولن تدع النار تقترب من حدودها في آسيا فقد هددت بالتدخل في أوكرانيا كما أن بكازاخستان أقلية سكانية من الروس يتمتعون بامتيازات كبيرة لن تتخلى عنهم، والصين الدولة المجاورة أيضًا لكازاخستان تشاطر روسيا ذلك الهدف إلا أن الأيام حبلى بما لا يعلمه إلا الله وأن المظاهرات وإن تم إخمادها لن تكون الأخيرة في هذه الجمهورية، وقد تمتد لغيرها من الجمهوريات المجاورة لها بالمنطقة؛ فهل نرى شبيهًا بالخريف العربي الذي دمر عددًا من الدول العربية بأيادي استخباراتية غربية أم أن قوة روسيا ودعم الصين ستقطع تلك الأيادي؟!