المقالات

آثار على حافة الاندثار

▪️تعد الآثار تاريخا تحكي ثقافة الشعوب وطريقة نهجها وأسلوب حياتها وتفكيرها ونمط عيشها؛ رفاهية أو شظفا.. كما أنها تعد شاهدة تلك العصور بما تحمله من معاني العظمة والانتماء، بالإضافة لما تتضمنه أحيانا من الكتابات والمخطوطات التي تشير لحقبة زمنية بعدت أو قصرت، وإلى حالة التدين من خلال بعض ما يشير لذلك من نقوش أو نصوص أو شخوص أو مقابر ونحوها.. إنها بالفعل مرجعية تاريخية وليست أكوام بالية!!

▪️ومما يلفت الأنظار تلك الحصون الشاهقة التي تعتلي قلاع ضخمة تتربع غالبا على شواهق الجبال العالية أو على قمم مرتفعة لها إطلالة واسعة تنبيء عن حالة تحصين أو لتبديء القوة والمنعة أو لتحكي تماسك ذلك التجمع الذي تجمعه القرابة أو الولاء لرئيسهم أو كبيرهم!!

▪️تكتنف أراضي المملكة العربية السعودية الكثير من تلك الآثار من بقايا حضارات توالت ثم ذهبت أو أمم تعاقبت ثم أغبرت في ثنايا الأرض إلى يوم يبعثون، ولربما أبانت عن تفاوت كبير من منطقة لأخرى تبعاً للمكون الطبيعي الذي تشكلت منه هذه أو تلك أو تبعاً لثقافة وانتماء من قام ببنائها وتشييدها، ولذا تتفرد المناطق الجبلية بصلابة البناء ومقاومتها للعوامل الجوية رغم تقادم العمر لتقف صامدة ثابتة في وجه الأعاصير والتقلبات الجوية لتحكي عراقة ومهنية تلك الأجيال، كما أنها تروي حكايات تقف الأفهام عاجزة عن تأويل مدلولاتها أو سبر غورها أو فك رموزها أو كتابة شرح يطابق واقعها سيما تعدد عناصرها ومكوناتها وتفاوت طبقاتها ومساحاتها وكأنها تلبي حاجات قاطنيها أو رتبهم ومكانتهم أو تبعا لمهامهم ومسئولياتهم لتجمع بين التحصين والتمكين!!

▪️وحيث أن لمنطقة الباحة نصيب الأسد من تلك الآثار من حصون وقلاع ضخمة منها ما سلط الضوء عليها أو وجهت لها كمرات الإعلام والأكثرية منها ما تزال مغمورة بين ثنايا الجبال أو في الأودية والشعاب أو في القرى التي لم تنل حظها لتتبدى كباقي الآثار!!!

▪️والشيء بالشيء يذكر ففي حين وجدت قرية (ذي عين) الأثرية التابعة لمحافظة المخواة العناية المستحقة لم تجد قرية (الخُلف الأثرية) التابعة لمحافظة قلوة-ذات التسليط والاهتمام المطلوب- ومثلهما، حصون وقلاع مشابهة في (وادي رما) التابع لمحافظة الحجرة بتهامة منطقة الباحة، إذ تربض على أكناف مرتفعة مطلة تحيط بها مزارع ومقابر ذات أدوار متعددة، ومع أنها ما زالت شامخة تتحدى الصعاب إلا أن البلى بدأ يدب لصلبها لتبدو بحالة البائس التعيس الذي فقد الأمل لتسقط بين عشية وضحاها؛ فيذهب معها تاريخ كان مناراً ومرتكزاً ومعلماً ومحاراً وموئلاً للأساطير!!!
من يشاهد تلك يجد فيها العبر بل حجم التحدي لذلك البدائي الذي ذللت له تلك الجلاميد العظام والصخور الكبيرة حجما ووزنا؛ لتذلل له ليضعها أنىَّ شاء!!!
ليجد من يراها سؤالا يلجلج: كيف استطاع أولئك النفر حملها بأيدٍ بشرية في حين تعجز الآن عن حملها بعض الآلات الصغيرة؟!
إنها العظمة بمعناها الحقيقي المتمثل في إنسان ما قبل الآلة إذ سجل أرقاما صعبة في التحميل والبناء!!

▪️أخيرا.. أكاد أجزم أن أمارة الباحة وعلى رأسها الأمير المحبوب المتقد نشاطا وشموخا؛ صاحب السمو الملكي الأمير حسام بن سعود والمعنيين بالسياحة والتراث والثقافة والأمانة والبلديات سيولون هذه الآثار عناية كبيرة ترميما وإعادة صياغة واستفادة لتكون وجهة سياحية تجعل الماضي العتيد ماثلاً في كنف الحاضر كنوع من الواقع المعزز لقيم الأصالة والارتباط بالتاريخ أرضا وموروثاً وقيماً، تعميقاً لمعنى الأنتماء وترسيخ الإعتداد بماضينا العريق!!

فهلاّ يجد ذلك الإرث ما يستحق!!!
ذلك مانرجوه.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button