▪️بينا نحن في فصل الشتاء إذ السماء تتلبد بالغيوم، تحجب قرص الشمس أن ترسل أشعتها الحارقة التي تلهب الأفئدة قبل الأبدان بلذعة ساخنة تجعل الإنسان حبيس التكييف؛ منزلياً كان أو سيارا، حتى لا يكاد يمنحه ذلك الحر فرصةً للخروج أو التنزه من شدة اللهيب!!
▪️الأجواء التهامية في هذا الموسم جميلة وجاذبة، ونحن في المنطقة الغربية تحديدا نعيش أجمل أيام العام إذ الاستمتاع بالتنزه في المساحات البرية المتأخمة للمدن أو على الشاطيء الذي يكاد ينطق ترحيبا بالقادمين إليه- تحيةً وأشواقاً- بهدير أمواجه التي تعانق زائره وتبهج مرتاده!!
كورنيش جدة المتفرد بحلة عصرية تواكب تطلعات الحالمين بالمتعة على ضفافه الشاعرية، والمستمتعين بنسماته الشفافة، تعانق أحلام العالقين في غرامه، المودعين لأنجم المساء في عيون تتلون بأضوائه الخافتة، المتلهثين لعرس بهي بين جنباته، المتأملين لصفحاته؛ ككتاب ضخم تروى فيه قصصاً من روايات ألف ليلة وليلة.. ولسان حاله يتباهى: أنا من يصنع المتعة وكفى!!
▪️في طريقنا للبحر عبر أرض يبسٍ.. ما أجمل أن تتحول تلك البراري الغبراء القاحلة لواحات غناء بمساحات خضراء لتترجم مبادرة سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان( السعودية الخضراء)، وذلك بالاستفادة من المياه الرمادية المعالجة بدلا من أن تهدر دون فائدة مرجوة؛ ليخصب الجدب وتستصلح الأرض فتغدق بالخير؛ دوحاً وارف الظل ماتع المنظر بعد أن يكتسي أديم الأرض ببساط أخضر يبهج النفس ويجلب الراحة ليكون ملجأ للباحثين عن مكان يجدون فيه أنفسهم بعد أن أضاعوا بعضا من متاعهم أو متعهم في ذلك الزخم المهدد لسكونهم، فيذهب كثير من مكدراتهم و يدخل السرور لأرواحهم المتعبة بعناء الكدح وضغط العمل أو زحام الحياة في ظل الحضارة المكتضة بمسئوليات عديدة!!
▪️كم هي غالية ثمينة تلك الرمال الذهبية بين مكة وجدة، كم هي حسناء مخضبة بلون الصحراء تتغنج بالكثبان تراقصها الرياح، تستنطقها الأعاصير؛ صريرا صاخبا وكأنها تبث شكوى، ترفع دعوى، تستعطف العابرين، تستصرخ الحالمين، تئن كالثكلى لعلها تجد لصوتها صدى أو لندائها مغيثا يلبسها غِطاءً يقيها لفح الحر وزمهرير البرد؛ كِساء يكسبها قبولا وارتيادا، لتولد من جديد وتعد العدة لعرس بهيج يتحول معه ذلك الهجر لوصل، والنوح لدوح، والقدح لانشراح وفرح!!
▪️تلكم المساحات إن سقاها المغيث بريٍّ فستتحول لواحات نظرة، تتبارى في سباق مع الزمن.. هل ستصمد أمام حشود الزحف العمراني لئلا يلتهمها فتسحق رمالها تحت وطأة ذلك التمدد والتمدن فتضيق ذرعا، ويضيق معها الخناق على قاطني هذه المدن فلا يجدون بداً من أسر الشقق الذي لا مفر منه بعد أن حاصرتهم المباني من كل جانب، لتضعهم في كتل خرسانية مغلقة لا تدع متنفسا إذ لا بديل يُلجأ إليه من حدائق أو ممرات أو هوامش يشم من خلالها الهواء الطلق فتكون النتيجة كبتا مقنعا واعتلالات موجعة!!!
▪️فهل تتخذ الجهات المعنية آلية تكبح الزحف العمراني فيما تجعل للنزهة مكانا في قاموس الحياة كإحدى مقومات جودة الحياة، لتتواءم مع فصول السنة وتقلبات المناخ؟!!.
▪️هل سنرى هذه الصحارى يوما وقد وجهت لها العناية والرعاية كمرتع جاذب بمقومات حياتية صحية تستهوي المتنزهين؟!
▪️هل ستستثمر المياه الرمادية- بدلا من هدرها- لتكون مصدراً ثرياً لواحات مستزرعة تقلب معادلة التصحر لخُضرة نضرة؟!
ذلك ما نتمناه!!