من الطبيعي أن نختلف في الآراء، سواء على المستوى الشخصي أو العملي أو الاجتماعي، أو حول ما يُطرح من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتطبيقات التواصل الاجتماعي والمؤلفات… إلخ، لكن تبقى هناك ثوابت لا يمكن تجاوزها ودستور هو المرجع الذي ينظم العلاقات وشؤون الحياة في الكيانات (السياسية- التجارية- الأسرية….) المختلفة.
إن المملكة العربية السعودية باعتبارها (كيانًا سياسيًّا) له دستوره وأنظمته، جاء في نظامها الأساسي للحكم، (الباب الأول: المبادئ العامة- المادة الأولى: المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-…).
المقدمة أعلاه، بدأت بها للتذكير بأن (القرآن والسنة) هما المرجعية التي تنظم شؤون هذا الكيان السياسي (المملكة العربية السعودية)، وكذلك الحال في كل بلاد العالم، يختلفون في آرائهم، لكنهم يتفقون حول الدستور من حيث المرجعية.
في مقال بعنوان (سعد الصويان وقويريرات الوناسة- عكاظ- 6 يناير 2022م)، بدأه الكاتب عبد الله بن بخيت متسائلًا (من يتخيَّل أن يذهب شاب سعودي إلى البلاد المفتوحة… دون أن تمتد يده إلى القويريرات في محلات الوناسة؟!) لا أدري ما المصدر الذي اعتمده الكاتب للوصول لهذا الاستنتاج! آلاف بل ملايين السعوديين ذهبوا للغرب، وعادوا دون أن (تمتد أيديهم) نحو تلك القويريرات! لا يمكن (تعميم) التجارب الشخصية على مجتمع كامل، لكن الكاتب عاد في ثنايا المقال كالذي انتبه (بعد ما زال الرحيق)؛ ليستثني البعض ممن ابتعثوا ويجنبهم (إثم) القويريرات!
يذكر الكاتب أن تلك (القويريرات) كانت (ذريعة) المحاربين للابتعاث، وأنهم لو نجحوا في منعه (منع الابتعاث) لما حققنا شيئًا من التنمية في شتى مجالات حياتنا كسعوديين. ابتعاث السعوديين للخارج (عربيًّا وغربيًّا) بدأ منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وتقريبًا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لم تكن (القويريرات) فقط سببًا لمحاربة الابتعاث، بل كان (الفكر المتطرف) الذي يخشى على شبابنا المبتعث (خارجيًّا) من (الردة واعتناق النصرانية)، و(إضعاف عقيدة الولاء والبراء)، و(التأثر بعادات المجتمعات الكافرة في المأكل والمشرب وأسلوب الملابس)… إلخ، ذلك الفكر حارب دون تعليم البنات (محليًّا)، ورفض (بعض معتنقيه) إلقاء تحية الإسلام على (المدخن) هنا في السعودية وليس في بلاد الغرب!
ثم بدهاء يُحسد عليه، ينقلنا الكاتب من الحديث عن (مد اليد) نحو (القويريرة) إلى موضوع (فتح الفم)؛ لتعاطي ما بداخلها! وأنه لا يتذكر (أن جرؤت صحيفة سعودية على طرح مسألة تعاطي الخمر في المملكة على الرغم من انتشار أخبار التسمم الكحولي جرَّاء شرب الخمر المصنَّع داخليًّا). الكاتب لديه من الحصافة والإدراك بحيث لا يخفى عليه أن هناك فرقًا (بين) مناقشة الإعلام لموضوع (تعاطي الخمر بمختلف أنواعه وجهات تصنيعه) مع المختصين حول الأسباب والحلول وطرق العلاج، و(بين) أن يطرح الإعلام تعاطيها للتحذير من (الشعبي) المصنع داخليًّا! نحن نتحدث هنا عن (أم الكبائر)، لا نتحدث عن مشكلة (الماركات العالمية المقلدة) التي يستوردها البعض من الصين وضررها على الاقتصاد وكيفية مواجهتها!
ثم في فقرة أخرى من المقال، وبمنتهى الرقة، وبمنتهى الذوق، وبمشاعر تفيض حبًّا وحنانًا يلومنا الكاتب (كمجتمع)؛ لأننا (نتعاطى مع هذه القضية، يقصد الكاتب قضية الخمر المغشوشة والمصنعة محليًّا) بأسلوب النعامة، كأن من يتعاطى الخمر ليسوا أبناءنا وإخواننا، ولا ندرك أن ضحايا هذا النوع من الخمر هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة، أما الأغنياء محبو الوناسة فقد أغنوا بأموالهم العصابات التي تهرِّب الخمر الجيد وتسرِّبه داخل البلاد، وهذه العصابات استولدت عصابات أخرى، عصابات التهريب تليها عصابات التوزيع ثم عصابات غسل أموال…. وينتهي الأمر بتهديد الأمن الوطني)، ولايكتفي باللوم فقط، بل يطالب بأن تتعاون (الأجهزة الأمنية مع الأجهزة الصحية مع الجهات المالية لتقدير الخسائر الكبيرة من تسرُّب الخمر الجيد عبر العصابات، والأضرار الكبيرة التي يسببها الكحول المغشوش الذي يُصنع بالداخل، مضافًا إلى ذلك المبالغ المالية الضخمة التي تُصرف خارج المملكة من جيوب طالبي هذا النوع من المتعة!).
حقيقة أعيتني هذه الجزئية من المقال، لم أستوعبها! أخذت حمامًا باردًا (رغم شتاء الرياض) فركت أذني بقوة، استعنت بعدة فناجين من القهوة (عربي وتركي وأمريكي) لعلي أستعيد تركيزي، ربما أصابني شيء من (قويريرات) المقال، فأنا سريع التأثر وممن (يدوخون من زبيبة)! ما الذي يرمي إليه الكاتب؟! أيريدنا أن نطالب بتوفير الخمور (غير المغشوشة) لنحافظ على صحة أبنائنا (في الطبقة المتوسطة والفقيرة حسب تصنيفه)؟! هل مكافحة غسل الأموال يعني أن تسمح الدولة ببيع الخمر (الجيد فقط) علنًا في الأسواق الكبرى (كنوع من التقنين والتنظيم) وبهذا نحاصر عصابات التوزيع ونحافظ على المبالغ التي ينفقها محبو (القويريرات) وندعم الاقتصاد الوطني ونقضي على عصابات التهريب؟!
وفي الفقرة ما قبل الأخيرة من المقال يطالب الكاتب بأن (نبدأ في مناقشة القضايا المسكوت عنها لكي نتحرر من الفوبيا التي زرعها فينا دعاة الصحوة) ويختم مقاله بالمطالبة بالتفكير خارج الصندوق الصحوي! ويوجه بكل “صراحة” سؤالًا لأجهزة الدولة المعنية (هل قانون حظر دخول الخمور البلاد منع دخول الخمور وأوقف تعاطيها؟ طرح هذا السؤال والإجابة عليه دون مماحكات أيديولوجية سيفتح لنا بابًا طالما أغلقناه وأغلقنا معه عقولنا عن التفكير العلمي والعملي والاقتصادي). لا أدري لماذا يصر الكاتب على التعامل مع موضوع (القويريرة) وكأن (الصحويين فقط) هم من يرفضونه؟! دعاة الصحوة رغم اختلافي معهم (في تغريداتي ومقالاتي ومؤلفاتي الإلكترونية) ليسوا هم من زرعوا فينا (فوبيا) الخمر وما يتعلق بها، بل هو أمر إلهي (للمسلمين طبعًا) باجتنابها لأنها (رجس من عمل الشيطان) وتوجيهات نبوية من سنة رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا فكرنا خارج الصندوق الصحوي كما يقول الكاتب، لماذا نكافح بيع المخدرات؟! لماذا نعرض أبناء (الطبقة الفقيرة والمتوسطة) للبودرة المخلوطة؟! ولماذا لا نسمح بتصنيع (الأمفيتامينات) محليًّا (المواد الخام متوفرة والحمد لله والمصانع ما أكثرها) وبهذا نحافظ على أمننا الوطني ونضرب اقتصاد (حزب الله) الذي يعتمد جزء منه على تهريب مئات الملايين من الحبوب المخدرة إلينا؟! ولماذا نكتفي بالتفكير خارج الصندوق الصحوي؟! لماذا لا نحطمه؟! لماذا لا نبحث عن كيفية تنظيم نشاط (صويحبات الليل) حيث بسببهن يسافر (البعض) في أرجاء الأرض بحثًا عن (صويحبة) يتعاطى معها (قويريرة)؟! لماذا لا تدرس الأجهزة الأمنية والصحية كيفية منح (الصويحبات) التصاريح اللازمة وبهذا نحمي (أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة) من المصابات بالأمراض ونقضي على (أحد أسباب) جرائم الاتجار بالبشر؟! وأطالب (كما طالب الكاتب) الجهات المالية بإعداد الدراسات التي تبين حجم العائدات المالية من رسوم منح التصاريح لهن، وحجم العائدات المالية من توفير هذا النشاط محليًّا حتى نحول دون هدر الأموال في الخارج!
خاتمة:
الخمر ليست من الأمور المختلف حولها، وحكمها الشرعي لا جدال فيه، وهي من الكبائر في الإسلام، وإن حاول البعض تغيير اسمها إلى (مشروبات روحية)، أو التعامل مع المسميات الأجنبية بحجة أنها ليست خمرًا بل كحوليات.
جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها». المصدر: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (22/93).
شكرا جزيلا استاذ عبدالاله ،وسلم قلمك مقال جميل في تأصيله الشرعي والقانوني ، ومناقشة هادفة و اسلوب رائع ….سلمك الرحمن ومزيد من العطاء فجملة القراء بحاجة هذا الاسلوب الرائع والمفيد المؤصل….
اشكر مرورك وتعليقك. تحياتي لك