أقدم خمسة أشخاص على فتح محل لبيع الدجاج، وقرروا أن يتكون هذا المحل من خمسة طوابق، وتم توزيع المهام فيما بينهم؛ بحيث يتولى كل واحد منهم مسؤولية البيع في أحد الطوابق. وفي اليوم الأول دخل زبون يريد أن يشتري منهم دجاجًا، وقال للبائع: لو سمحت أريد دجاجًا، فقال له البائع: هل تريد الدجاج حيًا أم مذبوحًا؟ قال الزبون بل أريده مذبوحًا، فقال البائع عليك أن تصعد للدور الثاني. صعد الزبون للدور الثاني وقال: أريد دجاجًا مذبوحًا، فرد عليه البائع: هل تريده مبردًا أم مثلجًا؟ فقال الزبون: بل أريده مبردًا، فطلب منه البائع أن يذهب للدور الثالث. ذهب الزبون للدور الثالث وسأل الموظف الموجود هناك قائلًا: أريد دجاجًا مذبوحًا ومبردًا، فرد عليه الموظف: هل تريده مقطعًا أم بدون تقطيع؟ فقال الزبون بل أريده مقطعًا؛ فقال له الموظف: إذًا اذهب للدور الرابع. ذهب الزبون للدور الرابع وقال للبائع: لو سمحت أريد دجاجًا مذبوحًا ومبردًا ومقطعًا، فرد عليه البائع: أتريده مبهرًا وجاهزًا للطبخ أم بدون بهارات. فرد الزبون أريده مبهرًا فقال البائع: عليك أن تصعد للدور الخامس. صعد الزبون للدور الخامس فقابلته موظفة متأنقة، فقال لها: أريد دجاجًا مذبوحًا ومبردًا ومقطعًا ومبهرًا، فقالت له: في الحقيقة أنه ليس لدينا أي نوع من أنواع الدجاج، ولكني أسألك بالله! ما هو رأيك في تنظيم وتنسيق المحل وتوزيع المهام في الخمسة طوابق؟!
هذا هو حال الوضع التنظيمي في كثير من المؤسسات التي تعتقد أن إحداث أي عملية تغيير في وضع المؤسسة الحالي يعد تطويرًا لها، وهو بدون شك اعتقاد خاطئ بل هو تفكير غبي؛ إذ إن عملية التغيير يجب أن تهدف إلى الانتقال لوضع جديد أفضل من الوضع القائم، أما أن يكون التغيير للأسوأ فمن غير المقبول أن نسمي ذلك تطويرًا. إضافة إلى أن بعض الإدارات ترى أن التطوير والتميز لا يأتي إلا بمسح جهود وأفكار وتنظيم الإدارات السابقة، والقيام بتنظيم جديد يقوم على تعدد الوحدات الإدارية وكثرة المناصب وبالذات العليا في الهيكل التنظيمي، ونسف الأنشطة والمهام والإجراءات السابقة، وإنشاء وحدات إدارية جديدة دونما وجود دراسة تظهر مدى الحاجة لوجودها، بل إن الهدف من ذلك في الغالب ينطلق وبكل أسف من رغبة الإدارة في خدمة وتكريم أشخاص مقربين منها بمنحهم مسميات أعلى في الهرمي التنظيمي للمؤسسة، الأمر الذي يؤدي إلى تداخل مهام هذه الوحدات مع وحدات أخرى موجودة سلفًا، وتقوم بنفس المهام على أكمل وجه، ولكن ربما أن الإدارة تتبنى سياسة خالف تعرف، أو من باب إشعار الناس بأن الإدارة أتت بما لم يأتِ به الأوائل.
كل ذلك يعدُّ ضربًا من ضروب العبث الإداري وشكلًا من أشكال الترهل التنظيمي ووجهًا من أوجه النرجسية الإدارية التي يعاني منها الكثير من المسؤولين الذين يقفون على قمة الهرم الإداري في تلك المؤسسات. والحل لن يكون إلا بإيقاف ذلك العبث واجتثاث جذور النرجسية، وتجفيف منابع التملق التي تعشعش في قمة هرم كثير من المؤسسات ولا سيما مؤسسات القطاع العام، وإلا فإن محلات بيع الدجاج سوف تغزو مؤسساتنا، وتعلو مبانيها لتتجاوز الدور الخامس والسادس والسابع!! بل ربما تصل إلى ناطحات السحاب. والمشكلة لا تنتهي هنا، بل إن المشكلات ستتوالى تباعًا كنتيجة حتمية لذلك التغيير السيئ، وعندما تشعر إدارة المؤسسة بالفشل سوف تحاول العودة إلى مسارها الأول، وإلى وضعها السابق عملًا بمقولة (قديمك نديمك)، لكن وبكل أسف حينها يكون حال الإدارة مثل حال الغراب الذي حاول أن يقلد مشي الحمام فلم يستطع، وفي نفس الوقت كان قد أضاع مشيته الأصلية.
من هذا المنطلق فإن أي عملية تطوير في الهيكلة أو الإجراءات أو الأنظمة المتعلقة بالموارد البشرية يجب أن تتم وفق دراسات متأنية يشارك فيها جميع منسوبي المؤسسة، وألا يكون العاملون فيها هم آخر من يعلم بتلك التغييرات، بل يتحتم على الإدارة أن تحرص وتبادر للاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم كونهم الأقرب لكثير من التفاصيل، وإلا فإن عمليات التغيير سيترتب عليها ضياع كثير من الجهود وتبديد أموال المؤسسة، وتتردى جودة الخدمات المقدمة لمنسوبي المؤسسة، ويتضرر معها الجمهور المستفيد من خدماتها؛ وهذا بلا شك يعدُّ شكلًا من أشكال الفساد الإداري والمالي حتى وإن تم ذلك الأمر بحسن نية ودونما قصد، وهو ما نحسن به الظن في تصرفات كثير من قيادات تلك المؤسسات، ولكن كما يُقال القانون لا يحمي المغفلين، وبلا شك فإن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لن تعفي المغفلين ولن تغفل عن المتهورين، وليتذكر الجميع أنه لم تعد هناك فرصة للاجتهادات الخاطئة والجهود العشوائية، كما لم يعد هناك مجال للقرارات الارتجالية في سبيل العمل نحو تحقيق رؤية 2030 التي يحمل رايتها سمو ولي العهد -وفقه الله- وسدد على طريق الخير خطاه وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-، ومتعه بالصحة والعافية.
الختام:
جاء على لسان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرضاه قوله: “صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك”. فالصديق الحقيقي هو الصادق معك الذي يقوّمك عندما تخطئ، ويُنبهك إلى مواقع الزلل التي تقع فيها، وليس ذلك الذي يتملق أمامك أو يصفق لك خوفًا من انفعالك أو عقابك.
————————–
عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.