المقالات

طفل البئر

صحيح أن الطفل المغربي “ريان” الذي سقط في البئر، وعاش فيه خمسة أيام، تألم حسيًا ومعنويًا، وعاش والداه والعالم أجمع أيامًا عصيبة، وحزنوا على فراقه، ولكن هناك غيره من الأبناء صغارًا وكبارًا عاشوا في ((بئر الأسرة)) بين الوالدين أو أحدهما، ولكن هذا البئر كان عبارة عن حفرة نار أو بركان قبعوا طوال سنوات حياتهم أو حتى جزء منها داخل الحفرة، وعندما أقول طوال سنوات حياتهم؛ لأن الآثار الحسية قد تكون زالت، ولكن الآثار النفسية والسلوكية والاجتماعية مازالت باقية تلازمهم طوال حياتهم، بل ويتوارث الأجيال العنف الأسري جيلًا بعد جيل.

بعض الأبناء عاشوا وما زالوا يعيشون في قهر، وذل، وإهانات، وعنف أسري، وضرب مبرح، ليل نهار، وصفع على الوجه، وحرق، وقتل، ولوم وتأنيب مستمر، وتوبيخ، وإهمال نفسي، وصحي، وغذائي، وسب وشتم، واحتقار، وحرمان من الاحتياجات الأساسية، ومن الترفيه، وتفرقة بين الإخوة، وظلم وافتراء، وحبس بالبيت أو في دورة المياه، وربط بالحبل في سطح المنزل تحت شمس الظهيرة الحارقة، أو التقييد في أحد أرجل طاولة الطعام أو في أي مكان آخر أو طرد من المنزل، وكذلك يعيشون في شك، وتحرش جنسي، من قبل الوالدين أو من الإخوة الكبار، كما يتعرضون لدعاء الوالدين عليهم بالموت والإصابة بالحوادث المرورية وغيرها، كما يشاهدون انحراف والديهم جهارًا نهارًا، فالأب له علاقات نسائية وغراميات، وتحرش بالعاملة المنزلية، وأما الأم لها علاقات محرمة وتعارف مع الرجال، وكذلك يبتلون بوالدين مدمنين على المخدرات أو أحدهما، وقد يستخدمون أبناءهم في الدعارة، وفي تهريب وترويج المخدرات، وفي بيع شرفهم للمروجين، فيعيش الأبناء في بيئة غير آمنة وغير مستقرة طوال سنين حياتهم، وهم يشاهدون الخلافات اللفظية وغير اللفظية بين والديهم، وفي نهاية المطاف يتجرعون مرارة الطلاق والتشتت الأسري، وكذلك لا ننسى الأطفال اللقطاء ومعاناتهم النفسية والاجتماعية.

أليس ما حصل لريان أهون من مشكلة هؤلاء الضحايا المعذبين؛ لأن الصغير ريان قدر له الله السقوط في البئر، ولكن لم يعذبه بشر، صحيح أنه عانى في الحفرة خمسة أيام ثم انتقل بعدها إلى جوار ربه الرحيم، ولكن الأبناء المتعرضين لما ذكرناه أعلاه في صدر المقال هم أشد تعذيبًا من ريان؛ لأنهم عاشوا سنوات طويلة في التعذيب المعنوي والحسي لدرجة أن بعضهم يتمنون الموت لأنفسهم، ويحاولون الانتحار بل وينتحرون فعلًا والبعض يدعون على والديهم بالموت لكي يتخلصوا من حياة الجحيم التي يعيشونها.

قصتك يا ريان أججت مشاعرنا تجاه أبنائنا
ضموا أبناءكم إلى أحضانكم، احتووهم، أحبوهم وأخبروهم بحبكم لهم
هم رصيدكم للآخرة، هم عملكم الذي ستسألون عنه، ثماركم التي ستجنونها
أحسنوا تربيتهم، وجهوهم بحب، بحنان
أصلحوا لهم دينهم ودنياهم، واغرسوا فيهم تقوى الله وحبه يُصلح لكم ولهم
آخرتكم.
كم من طفل يقبع في حفرة عميقة ولا يشعر به والداه!!.
ريان .. أيقظت ضمائرنا.. جعلك الله
ذخرًا لوالديك، وألهمهما الصبر على فراقك.

——————————
مستشار أسري واجتماعي
ماجستير في الخدمة الاجتماعية

Related Articles

2 Comments

  1. قصتك يا ريان أججت مشاعرنا تجاه أبنائنا
    ضموا أبناءكم إلى أحضانكم، احتووهم، أحبوهم وأخبروهم بحبكم لهم
    هم رصيدكم للآخرة، هم عملكم الذي ستسألون عنه، ثماركم التي ستجنونها
    أحسنوا تربيتهم، وجهوهم بحب، بحنان
    أصلحوا لهم دينهم ودنياهم، واغرسوا فيهم تقوى الله وحبه يُصلح لكم ولهم
    آخرتكم.
    كم من طفل يقبع في حفرة عميقة ولا يشعر به والداه!!.
    ريان .. أيقظت ضمائرنا.. جعلك الله
    ذخرًا لوالديك، وألهمهما الصبر على فراقك.
    أحسنت يابوحسن

  2. اسأل الله العظيم ان يرحم الطفل ريان ويجعله شفيعا لوالديه يوم القيامة . أحسن الله إليك اخي الكريم الأستاذ عبدالرحمن ، بإثارة هذا الموضوع مع الفارق في ظروف هذا الحدث عن ما اوردته من موضوع مهم ينبغي الإهتمام بمعالجة أسبابه ، والتي أضع في مقدمتها ضعف الوازع الديني لدى الوالدين ، أحدهما أو كلاهما ، إضافة إلى الجهل من الأباء والأمهات باساليب التربية الصحيحة ، الموضوع طويل ، لكم خالص تحياتي وتقديري .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button