ما زالت أزمة «هروب العاملة المنزلية» تلقي بظلالها على معظم البيوت السعودية؛ فقد تحوَّلت هذه الظاهرة إلى صداع مستمر وكابوس متكرر بصورة تُهدد ميزانية الأسر واستقرارها الاجتماعي؛ وبخاصة مع ما يُثار عن وجود عصابات منظمة تشبه عصابات المافيا تعمل على مساعدة العاملات على الهروب من كفلائهن مقابل الحصول على أجور مغرية تصل إلى عدة أضعاف أجرها الأساسي؛ حيث باتت هذه المشكلة تُؤرق أرباب العمل، وتشغل الأجهزة الأمنية بكافة قطاعاتها لا سيما وأن هذه العمالة بعد هروبها تتجوَّل داخل المملكة بطرق ملتوية وغير شرعية، وقد تتحوَّل دور إيوائهم إلى أوكارٍ لكل الأعمال غير المشروعة أخطرها على الإطلاق مسألة الاتجار بالبشر.
وعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها وزارة العمل لتنظيم قطاع العاملات في المنازل إلا أن مشكلة هروبهن ما زالت القضية الأبرز التي يُعاني منها هذا القطاع، بل إن هذه الظاهرة أصبحت تزداد يومًا بعد يوم فيما كان يظن الجميع أن السبب وراء هذا الهروب سوء المعاملة من الأسرة التي تعمل لديها هذه العاملة، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك تمامًا، فهناك عاملات يهربن في الأسبوع الأول أو في الشهر الأول من القدوم، وبطرق مختلفة وحيل وأساليب متنوعة.
ورغم حيرة كفلاء هؤلاء العاملات من هذه الظاهرة التي أثقلت كواهلهم وسلبت جيوبهم، إلا أن مراكز الشرطة والجوازات ومكاتب الاستقدام ما زالوا يتقاذفون مسؤولية هروبهن؛ حيث تؤكد الأولى أن هروب العاملات من المنازل ليس من اختصاص الشرطة بل من اختصاص إدارة الجوازات، وأن الشرطة لا تتدخل إلا في حال وجود قضية جنائية، بينما تؤكد الجوازات أن الشرطة هي من تقوم بإجراءات التحقيق مع العاملة وكفيلها لمعرفة أسباب الهروب وحيثياته، أما مكاتب الاستقدام فإنها تقف موقف المتفرج فهي الطرف الرابح ماديًا، ومعنويًا خاصة إذا كان هروب العاملة بعد مرور فترة التجربة التي يحددها النظام بتسعين يومًا.
ومن هنا يتضح لنا جليًّا غياب الإنصاف الذي يُعيد للكفيل حقوقه المالية، ويحميه من غدر مكفولته الذي أصبح سلوكًا ممنهجًا تحرض عليه جميع أنواع العمالة لتصبح المسؤولية على عاتق الكفيل حسب الأنظمة والقوانين الرسمية فيصبح المواطن متهمًا والعاملة الهاربة بريئة؛ لذا يجب إعادة النظر في العقود المبرمة من قبل مكاتب الاستقدام خاصة فيما يتعلق بشروط التعويض عند الهروب، ضمانًا لحقوق المواطنين لا سيما أن هناك روايات تدور في المجتمع مفادها أن بعض المكاتب تتفق مع العاملات منذ وصولهن على أن يهربن بعد ثلاثة أشهر؛ لكي لا يجبر أصحاب المكاتب على دفع تعويضات للأسر مستغلين بنود النظام التي تنص على عدم تعويض الكفيل إذا هربت العاملة بعد انقضاء فترة التجربة.
وختام القول..فإن موضوع هروب العاملات المنزلية يحتاج إلى دراسة متكاملة من قبل المختصين عن هذه المشكلة، وتحديد الأسباب ومعالجتها للقضاء على هذه المشكلة نهائيًا كما تحتاج هذه الظاهرة إلى حلول سريعة وتدخل عاجل من قِبل المعنيين ورقابة شديدة على العاملات؛ لمواجهة قضية هروبهن ووضع القوانين الرادعة تحمي حقوق المواطنين، وتطبيق عقوبات قانوينة شديدة على العاملات الهاربات، ومن يقف خلف هروبهن.
وخزة قلم:
الثغرات في الأنظمة والقوانين قد تكون دافعًا لخرقها من قبل المحتالين !