من المعلوم بأن الرس كان موجودا في العصر الجاهلي أي في عام 433 ميلادية أي قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلمبحوالي 190 عاما والدليل على ذلك ورودُ ذكره في أشعار الشعراء الجاهليين. وكان عبارة عن مساكن تسكنها الحاضرة. وقددرست تلك المنازل فترة من الوقت وكانت أطلالا يتغنى بها الشعراء. من تلك الأشعار ما قال زهير بن أبي سلمى:
لمن طلل كالوحي عاف منازله
عفا الرس منها فالرسيس فعاقله
وقال أيضا:
بكرن بكورا واستحرن بسحرة
فهنّ ووادي الرس كاليد للفم
كما أنه في هذا التاريخ 433 ميلادية استوطن بنو كندة في بطن عاقل فترة من الزمن ــ وكان إذا أطلق ذلك فهو يعني الرس ــوكان يحكمهم حجر بن الحارث آخر ملوك كندة في بطن عاقل. وبعدما استوطنه الحارث زمنا طويلا وكوّن فيه مملكة كبيرة ذاتحضارة واسعة وجمع أموالا كثيرة وكثر الناس حوله. أغار عليه بنو أسد فقتلوه وشردوا من بقي من قومه حتى الملك الضليلامرؤ القيس هام على وجهه هاربا من بطش بني أسد وهلك، وقد وثّق الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة العامري تلك الحادثة بقوله:
والحارث الحراب خلى عاقلا
دارا أقام بها ولم يتنقّل
تجري خزائنه على من نابه
مجرى الفرات على فراض الجدول
كذلك قال عبيد بن الأبرص من بني أسد أبياتا في زوال ملك الحارث وهو ممن عاصر مُلك بني كندة وشاهد زوال مملكتهم:
فانظر إلى فيء ملك أنت تاركه
هل ترسين أواخيه بأوتاد
اذهب إليك فإني من بني أسد
أهل القباب وأهل الجود والنادي
ويوجد حاليا من بقايا مملكة كندة دلائل من الآثار والأحجار والنصوص الواضحة والمشاهدة حاليا بجوار بطن عاقل في الجهةالشرقية الجنوبية من الرس وتوحي هذه الكتابات والرسوم أن بطن عاقل والرس كانتا عامرتين بالحياة من حضارة بني كندة ثمحضارة بني أسد وفيهما من العمران والمزارع ما الله به عليم، كذلك يوجد حاليا بجوار الكتابة بئر ماء مطوية وقديمة طمرتهاالأتربة، مما يدل على أنهما كانتا موردين هامين لتلك القبيلة التي كان لها الغلبة والسيطرة على القبائل الأخرى. وأخيرا رحلبنو منقذ من بني أسد من الرس إلى العراق بسبب الجدب وبحثا عن الكلأ لأنعامهم حالهم في ذلك حال أمثالهم من الأعرابالرحّل.
ومع الأسف فإن هذا الموقع التاريخي الذي يوثّق حياة مملكة عظيمة نشأت في هذا الموقع وشكّلت حضارة تجارية واقتصاديةواجتماعية تتعرّض الآن للعبث والتخريب من بعض الأيدي الطائشة وأصحاب التعدّيات على الأراضي الواسعة. فهل يقيّض اللهسبحانه وتعالى لها من يقوم بحفظها وصيانتها لتدوم وتحكي تاريخا عريقا للرس بدأ في العهد الجاهلي واستمرّ على مدىالأزمان حتى عصرنا الحاضر.
وهي على إحداثية (452 50 25)(527 38 043)
ولنا أن ننقل بعض ما رواه المؤرخون عن تلك المملكة العظيمة الواسعة:
وفي كتاب (مملكة كندة في وسط الجزيرة العربية) دراسة تاريخية آثارية ـ د عبدالعزيز بن سعود الغزي ـ مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز 1428هـ.
عاقل: عاصمة مملكة كندة:
تحدث المؤلف عن مملكة كندة الواقعة في بطن عاقل قرب الرس في حديث طويل تحت عنوان (بطن عاقل ـ عاصمة مملكة كندة في وسط شبه الجزيرة العربية) قال (ص 13):
(تفيد الروايات التاريخية والأشعار الجاهلية أن بطن عاقل هي عاصمة مملكة حجر آكل المرار الكندي الذي يعده أكثرالمؤرخين المؤسس لمملكة كندة وبخاصة العهد الذي تعرف عنه تفاصيل تاريخية وهو ما أطلقنا عليه عهدكندة الثالث. وفيما يخص عاصمة مملكة كندة في وسط شبه الجزيرة العربية فهي بطن عاقل. ولم أجد خلافابين المؤرخين القدماء والمحدثين على ذلك).
أقول: بطن عاقل لا يزال باسمه القديم (عاقل) ويسميه أهل الرس (العاقلي) وهو في الجهة الشرقية من واديالنساء حاليا قبل التقائه بوادي الرمة عند محافظة البدائع في القصيم. وبعد أن يقترن مع شعيب الإرطاوي, وهو مكان الرحلات البرية لأهل الرس الذين يعشقون التنزّة في بطن الوادي. ويقع في الجهة الشرقية منمحافظة الرس, بينهما حوالي (13) كيلا فقط.
معنى عاقل وموقعه:
وقال المؤلف (بالنسبة إلى موقع بطن عاقل الذي كان مقرا للملك الكندي وعاصمة لمملكته فيحددها البلدانيون والمؤرخون على أنها تقع على وادي الرمة. وبهذا الصدد يذكر ياقوت الحموي, عاقل: بالقاف واللام, بلفظضد الجاهل, وهو من التحصن في الجبل, يقال: وعل عاقل إذا تحصن بوزره عن الصياد, والجبل نفسه عاقلأي مانع. وعاقل: واد لبني أبان بن دارم من دون بطن الرمة وهو يناوح منعجا من قدامه وعن يمينه أييحاذيه. قال ذلك السكري في شرح بيت جرير:
لعمرك لا أنسى ليالي منعج
ولا عاقلا إذ منزل الحي عاقل
وقال ابن السكيت في شرح قول النابغة حيث قال:
كأني شددت الكور حيث شددته
على قارح مما تَضمّن عاقل
وقال ابن الكلبي: عاقل جبل كان يسكنه الحارث بن آكل المرار جد امرئ القيس بن حجر بن الحارث الشاعر،ويقال: عاقل واد بنجد من حزيز أضاخ ثم يسهل, فأعلاه لغني وأسفله لبني أسد وبني ضبة وبني أبان بندارم. قال عبيدالله الفقير إليه: الذي يقتضيه الاشتقاق أن يكون عاقل جبلا, والأشعار التي قيلت فيه هيبالوادي أشبه, ويجوز أن يكون الوادي منسوبا إلى الجبل لكونه من لحفه. وقرأت بعد في النقائض لأبيعبيدة قال في قول مالك بن حطان لسليطي:
وليتهم لم يركبوا في ركوبنا
وليت سليطا دونها كان عاقل
قال: عاقل ببلاد قيس وبعضه اليوم لباهلة بن أعصر. وقال ابن حبيب في قول عميرة بن طارق اليربوعي:
فأهون عليّ بالوعيد وأهله
إذا حل أهلي بين شرك فعاقل
قال: عاقل في بلاد بني يربوع, وكان فيه يوم بين بني جشم وبين حنظلة بن مالك. وقال أعرابي:
ولم يبق من نجد هوى غير أنني
تذكرني ريح الجنوب ذرى الهضب
وإني أحب الرمث من أرض عاقل
وصوت القطا في الطل والمطر الضرب
فإن أك من نجد سقى الله أهله
بمنانة منه فقلبي على قرب
وقال أحد الشعراء في مُتعشّى بطن عاقل:
ثم مضت تؤمّ بطن عاقل
تعسّل بين أينق عواسل
من العمانيات كالمَجَادِل
وقال عبدالرحمن بن دارة:
نظرت ودور من نصيبين دوننا
كأن عربيات العيون بها رمد
لكيما أرى البرق الذي أومضت
به ذرا المزن علويا وكيف لنا يبدو
وهل أسمعن الدهر صوت حمامة
يميل بها من عاقل غصن مأد
فإني ونجدا كالقرينين قطعا
قوى من حبال لم يشد بها عقد
سقا الله نجدا من خليل مفارق
عدانا العدا عنه وما قدم العهد
قال لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر؟
ونائحتان تندبان بعاقـــل
أخا ثقة لا عين منه ولا أثر
قال نصر: عاقل رمل بين مكة والمدينة. وعاقل: جبل بنجد. وعاقل: جبل لبني أبان بن دارم. عاقل: واد فيأعالية إمرة. وفي أسافله الرمة, وهو مملوء طلحا. وبطن عاقل: موضع على طريق حاج البصرة بين رامتينوإمرة.
ودوّن الأندلسي: ” وقال يعقوب: الرس والرسيس: واديان بقرب عاقل فيهما نخل. وعاقل: واد يمر بينالأنعمين وبين رامة حتى يصب في الرمة, قال لبيد:
طلل لخولة بالرسيس قديم
فبعاقل فالأنعمين رسوم
ودوّن الأندلسي: ” عاقل بكسر القاف على وزن فاعل, قال عمارة: هو ماء لبني أبان بن دارم من وراء القريتين. وقال الطوسي عن شيوخه: عاقل جبل كان يسكنه حجر أبو امرئ القيس, قال أحد المعمرين:
وأعقل حجرا ذا المرار بعاقل
وأيام بكر إذ تعاوت وتغلب”
ويقول النمر بن تولب العكلي, شاعر جاهلي:
بين البديّ وبين برقة ضاحك
غوث اللهيف وفارس مقدام
ومقابر بين الرسيس وعاقل
درست وفيها منجبون كرام
ويكمل الدكتور عبدالعزيز الغزي حديثه عن مملكة كندة فيقول: ولقد ناقش محمد بن ناصر العبودي موقعبطن عاقل مستفيدا من مصادر شتى وبخاصة معجمي الأندلسي والحموي والدواوين الشعرية الجاهلية والإسلامية, وبعد مناقشة مستفيضة توصل إلى أن العاقلي المعروف اليوم في القصيم هو عاقل المعروففي الجاهلية, الذي فيه كانت تقوم عاصمة مملكة كندة.
ثم نقل الغزي بعض ما قال العبودي في كتاب (بلاد القصيم 4/1524) ” العاقلي: واد كبير منخفض المجرىلذلك يسميه الأقدمون (بطن عاقل) يمر إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرس على بُعد حوالي ثلاثة عشركيلا. يبتدئ سيله من جهة جبل كير وماء الركا, ويمتد مجراه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. حتىيصب في وادي الرمة قبل أن يصل إلى البدائع, ويصب فيه عدة روافد منها الأرطاوي ووادي دخنة الذي كانيسمى قديما “منعج” وهو قديم التسمية بل مشهور في القديم إلا أنه كان يسمى عاقلا, فكأن المتأخريننسبوه إلى اسمه القديم فقالوا “العاقلي“.
قال لغدة: إذا جزت رامه صرت إلى بطن عاقل, وهو ماء على الطريق لبني أبان بن جرير.
وقال أبو إسحاق الحربي في كلامه على طريق حاج البصرة إلى مكة: وعلى أحد عشر ميلا من رامة بطنيقال له بطن عاقل وبه آبار كثيرة, أقول: والقول للعبودي: الظاهر أن الآبار التي يمر بها الحاج أكثرها ميّت الآن.
وفاة الحارث الكندي في عاقل:
وفي عاقل أيضا: مات الحارث بن عمرو الكندي ودفن فيه. وهو الذي يقول فيه لبيد:
والحارث الحراب خلا عاقلا
دارا أقام بها ولم يتنقـــل
تجري خزائنه على من نابه
مجرى الفرات على فراض الجدول
حتى تحمل أهله وقطينه
وأقام سيدهم ولم يتحمّـــل
وقال لبيد:
ومصعدهم كي يقطعوا بطن منعج
فضاق بهم ذرعا خزاز وعاقل
فقرن ذكره بذكر منعج حاليا (دخنة) وخزاز وهو جبل معروف قرب دخنة.
وقال زهير بن أبي سلمى:
لمن طلل كالوحي عاف منازله
عفا الرس منه فالرسيس فعاقلة
فقرن ذكره بذكر موضعين قريبين منه لا يزالان معروفين باسمهما حتى الآن هما الرس الذي أصبح مدينةرئيسية من مدن القصيم, والرسيس: قرية تابعة للرس.
وقال زهير أيضا وقرن ذكره بذكر الرسيس:
كأن بغلان الرسيس وعاقل
ذرا النخل تسمو والسفين المقيرا
وختم الغزي حديثة بقوله (يتضح مما تقدم أن عاقلا اسم مشهور قصده الشعراء فجاء على ألسنتهم كثيرافوصفوه وضربوا به المثل بالمنعة, وربما أنه استمد جزءا من منعته ممن سكنوه وأخص الكنديين منهم).
وفي موقع عاقل وقعت مجموعة من أيام العرب منها:
ــ يوم عاقل لبني حنظلة من تميم على بني جشم: وسبب ذلك اليوم مختصرا: أن الصمّة الجشمي وهو:معاوية بن بكر بن علقة بن جداعة بن غزية بن جشم. أغار على بني حنظلة في عاقل فأسره الجعد بنالشمّاخ وهزم جيشه وأصيب غبهم, ثم إن الصمّة قد أبطأ فداؤه فكان الجعد يأتيه كل هلال شهر بأفعىفيحلف بما يحلف به لئن هو لم يفد نفسه ليُعضنها إياه فلما طال ذلك جزّ ناصيته على الثواب. ثم أتاهمستثيبا فقال له الصمّة: مالك عندي ثواب وضرب عنقه فانتقم منه قومه. قال راجز بن مالك:
نحن أبانا مصعبا بالصمّة
كلاهما شيخ قليل الهمّة
ــ يوم عاقل لبني تغلب على بني أسد في الجاهلية: وسبب هذا اليوم: أن الشاعر الهذيل بن هبيرة بنقبيصة بن الحارث بن حبيب التغلبي أغار على بني أسدد بن خزيمة في عاقل ومع بني أسد يومئذ طوائفمن بني كنانة بن خزيمة فاشتد الأمر على الحيّين وقُتل منهما رجال معروفون, وأصيبت نساء من بنيغاضرة وبني الصيداء من بني أسد, وحمى القوم بني كاهل حتى حجز الليل بينهم وانصرفت بنو تغلب.
قال الشاعر الهذيل بن هبيرة التغلبي في ذلك:
ألم يأت أحيــــاء الأراقـــــم أننـــــــا
وطأنا قُعينا وطأة المتثاقل
وحي بني الصيداء نلنا حريمهم
غداة التقينا يوم بقعة عاقل
ــ يوم عاقل لبني ذبيان على بني عامر من أيام العرب قبل الإسلام: وهو امتداد ليوم ساق. وسببه: قال أبوعبيدة: فكان الذي هاج من الأمر بين الحارث بن ظالم وخالد بن جعفر أن خالد بن جعفر بن كلاب العامريأغار على بني ذبيان رهط الحارث بن ظالم المري الذبياني فقتل الرجال حتى أسرف, وبقيت النساء والحارثبن ظالم يومئذ صغير وزعموا أن ظالما بن جذيمة بن يربوع مات أبوه في تلك الوقعة من جراح أصابتهيومئذ. وكانت نساء بني ذبيان لا يحلبن النعم, فلما بقين وصرن بغير رجال طفقن يدعون الحارث فيشدنعصاب الناقة ثم يحلبنها ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن. فنشأ على بغض خالد وأردف ذلك قتلُ خالدلزهير بن جذيمة العبسي فاستحق العداوة في عطفان. فقال خالد بن جعفر في تلك الوقعة:
تركت نساء يربوع بن غيظ
أرامل يشكين إلى وليد
يقلن لحارث جزعــــا عليــــه
لك الخيرات مالك لا تسود
تركت بني جذيمة في مكر
ونصرا قد تركت لدى الشهود
فعلم خالد أن غطفان ستطلبه بسيّدها فسار إلى النعمان بن المنذر فاستجاره فأجاره فضرب له قبّة وجمعبنو زهير لهوازن, فقال الحارث بن ظالم المري: اكفوني حرب هوازن فأنا أكفيكم خالد بن جعفر. فلم تزلالشحناء قائمة بينهم حتى انتقموا من قاتلهم.
ــ وقعة عاقل: من وقائع العرب في الجاهلية. ذكرها ابن الأثير في تاريخه فقال: كان سفهاء بكر بن وائل قدغلبوا على عقلائهم وغلبوهم على الأمر وأكل القوي الضعيف, فنظر العقلاء في أمرهم فرأوا أن يملكوا عليهمملكا يأخذ للضعيف من القوي فنهاهم العرب وعلموا أن هذا لا يستقيم بأن يكون الملك منهم. لأنه يطيعه قومويخالفه آخرون, فساروا إلى أبعض تبابعة اليمن.
وكانوا للعرب بمنزلة الخلفاء للمسلمين وطلبوا منهم أن يملك عليهم ملكا فمَلَك عليهم حجر بن عمرو الملقب(آكل المرار) وقدم عليهم ونزل ببطن عاقل. ثم أنه أغار ببكر فانتزع عامة ما كان بأيديي اللخميين من أرض بكروبقي كذلك إلى أن مات فدفن ببطن اقل. واللخميون هم بني لخم من قحطان ومنه ملوك الحيرة بالعراق, الذين كان لهم السيطرة على مناطق في نجد خاصة القصيم, كمنطقة عاقل قبل الكنديين.
ـــ نقل العبودي حادثة من حوادث العرب في الجاهلية في عاقل, نقلا عن أبي عبيدة حيث قال: ذكر أبوعبيدة أن امرأة في الجاهلية يقال لها غضوب من بني زيد مناة بن تميم هَجَت قوما من طُهَية من تميمفانتدب لها جماعة منهم شخصا يقال له مربع فقتلوها, فقال في ذلك مربع ونوّه أن لها إرماً أي نَصَباً علىقبرها في عبلاء عاقل:
شفيت الغليل من غضوب فأصبحت
لها إرما في رأس عبلاء عاقل
هذا ما رواه المؤرخون من أيام العرب في بطن عاقل.