المقالات

يوم التأسيس ..ذكرى حلمنا الأول

قال المفكر والأديب العراقي الكبير محمود شكري الآلوسي في مقدمة كتابه “تاريخ نجد”:
“إني لطالما اشتقت إلى الوقوف على ما اشتملت عليه قطعة نجد من البلاد، وتقت إلى كشف اللثام عن أحوال سكنتها الكرام الأمجاد، فإن معرفة حقيقة القوم مما خفيت على كثير من الناس إلى اليوم”.
وقال في وصف نجد: “وعلى كل الأحوال إن نجدًا من أحسن أقطار الأرض العربية، وأعدلها مزاجًا، وأرقها هواء، وأعذبها ماء، وأخصبها أرضًا، وأنبتها أزهارًا ونباتًا، أوديته كالرياض، وأغواره كالحياض”.
إن أهمية نجد في تراثنا التاريخي والوطني لا تتمثل فقط في موقعها الوجداني في قلوب أبناء الوطن ومحبيه من الأقطار الشقيقة والصديقة، وإنما أيضًا لأنها منطلق تأسيس وحدة وبناء الكيان والإنسان في هذا الوطن الغالي، فقد تحققت الملحمة السعودية بكل ما تضمنته من معاني العظمة والمجد والوحدة والانتصار من خلال الرباط الوثيق الذي ظل يربط دائمًا بين مواطنيها وقادتها من آل سعود منذ عهد الإمام محمد بن سعود في المسافة ما بين الدرعية والرياض- وصولاً إلى كافة أرجاء الوطن – اللتين طرزتا معًا تاريخ هذا الوطن الشامخ بخيوط من ذهب وفضة وأسطر من نور.
ولابد وأن نعلم أبناءنا ونحن نحي هذه الذكرى الخالدة- ذكرى التأسيس في 22 فبراير التي استنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بدءًا من هذا العام- أن تاريخ المجد في وطن العزة والشموخ بدأ عندما التقى مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في بيت محمد بن سويلم العريني في الدرعية، وتعاهدا على ما يعرف “بميثاق الدرعية”.
ولنا أن نسجل هنا بكل الفخر والاعتزاز أن الدرعية في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (سعود الكبير) كانت في عام 1803م عاصمة دولة امتدت من أطراف نهر الفرات والشام شمالًا إلى صنعاء جنوبًا، ومن ساحل الخليج العربي شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا”، وأن الدرعية كانت منارة للعلم ومقصدًا للعلماء، وكان بها عدد من المدارس يفوق عدد المساجد.
ولابد وأن نجعل أبناءنا يشعرون كأجيال صاعدة وكمواطنين لهذا الوطن العزيز الذي أعزه الله براية التوحيد، وبحمل رسالة الإسلام الخالدة ومبادئه السامية – بالفخر والاعتزاز بأن الوحدة والعطاء ظلتا شيمة هذه الأرض المباركة التي كانت تحارب دومًا مع أصحابها الشرعيين ضد كل من يحاول النيل منها، أو المساس بقدسيتها، وأنها ظلت تعود إلى سيرتها الأولى في الاستمرارية كلما حاول البعض تغيير معادلة ثباتها، وهو ما عبَّر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بقوله: “لم يمضِ سبع سنوات على انتهاء الدولة السعودية الأولى حتى تمكن الأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ/ 1891م، وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ/ 1902م ليؤسس الدولة السعودية الثالثة، ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية”.
وكان من الطبيعي أن تلفت ظاهرة الاستمرارية والثبات في هذه التجربة الوحدوية الرائعة التي حققت نجاحها بنسبة 100% نظر قادة ومؤرخي العالم الذين أجمعوا على عبقرية “التجربة السعودية” من خلال كتبهم وشهادتهم وآرائهم، فعلى مدى ثلاثة قرون ظلت هذه الدولة العتيدة تحتفظ بدستور واحد هو القرآن الكريم وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وراية خضراء واحدة هي راية التوحيد التي لا يعلو فوقها راية، وواحة وارفة تنعم بالأمن والوحدة والاستقرار والرخاء، وظلت تحكم من قبل قيادة واحدة أجمع عليها والتف حولها شعب وفي نبيل ظل على عهده الوثيق معها… قيادة حافظت على تراب الوطن وصانته من الدنس، ورعت مقدساته وعلت بنيانه ليظل وطنًا شامخًا، وحرمًا آمنًا ترنو إليه قلوب المؤمنين من كافة أرجاء المعمورة… قيادة بذلت غاية جهدها في توفير عوامل الأمن والرخاء والتقدم لشعبها وإحلاله المكانة التي يستحقها تحت الشمس.
ولا شك أن صدور الأمر الملكي السامي باعتبار يوم 22 فبراير من كل عام (ذكرى التأسيس) من شأنه أن يعزز معاني الولاء والانتماء لدى أبناء الوطن ويرسخ لديهم مفهوم المواطنة ويوطد العلاقة الوثيقة التي ظلت تربط بين الوطن والمواطن والقيادة على مدى ثلاثة قرون حافلة بالإنجازات والانتصارات، وكانت كافية لبناء سياج متين من المحبة والولاء والوفاء للشعب والقيادة؛ لصد ورد كل من تخول له نفسه تغيير المعادلة السعودية في الاستمرارية والثبات أو العبث بوحدة وأمن واستقرار هذا الوطن الغالي.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button