ونحن نحتفل بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى في الدرعية على يد الإمام محمد بن سعود في العام 1157هـ الموافق 1744م، فإن علينا أن نتذكر الحقائق الهامة التالية:
– إن المملكة العربية السعودية اليوم أصبحت رقمًا صعبًا في معادلة دولية بالغة الأهمية والتعقيد بعد تعاقب (3) مراحل هامة في حياتها، بدءًا بالتأسيس وانتهاءً بمرحلة قيام هذا الكيان الوحدوي الكبير على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – طيب الله ثراه – في العام 1319هـ/ 1373هـ، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (الآن) أطال الله في عمره، مرورًا بأصحاب الجلالة الملوك سعود وفيصل، وخالد وفهد، وعبدالله بن عبد العزيز -رحمهم الله رحمة الأبرار- .
أقول: إن المملكة أصبحت رقمًا دوليًا صعبًا؛ وذلك لأنها لم تصل إلى ما وصلت إليه مصادفةً، وإنما نتيجة قيام نظام قوي ومتين بدأ برسم الشعب في الأرض، وربطهما بالتاريخ على يد قيادات حكيمة أدركت ومنذ وقت مبكر أهمية تكامل ثلاثية الحكم المتمثلة في الأرض والشعب والقيادة.
وانطلاقًا من هذا المفهوم؛ فإن الدولة بجميع مراحل تكوّنها تحوَّلت من دولة “المدينة الصغيرة” إلى الدولة القارة بكل امتداداتها العظيمة ومساحتها الجغرافية الهائلة، ومن بعد مصادر القوة الأساسية فيها:
– بلاد الحرمين الشريفين.
– مصادر الطاقة المتعددة والهائلة.
– التاريخ والعراقة والمكانة “الجيوسياسية” بالغة الأهمية، ليس فقط على مستوى الإقليم، وإنما على المستوى الدولي أيضًا.
وفي كل مرحلة من تلك المراحل كان لكل ملك من ملوكها بصمة.. وأثر وإنجاز، ودور بالغ الأهمية.
ومن ذلك أن المملكة كانت من المؤسسين لهيئة الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها.
كما أنها شهدت على مستوى الداخل مراحل تطور وبناء انتهت بها إلى ما أصبحنا عليه، وصرنا إليه الآن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – يحفظهما الله -.
وفي هذا العهد أصبحت لنا رؤية مستقبلية متعددة الأبعاد (2030)، تنظر إلى مفهوم الدولة من منظور عصري وتنموي وموضوعي وواقعي وحيوي؛ بحيث تغيرت فيه وظائف الدولة من المفهوم الرعائي إلى مفهوم إنتاجي، يقوم على تفعيل دور الفرد، وتطوير مهام ومسؤوليات الدولة، وشراكة الجميع في صنع المستقبل الأكثر تفاعلًا بين الدولة والفرد والهيئة والمنشأة من جهة، وبين هذه الدولة وبين شركائها في المصير أو المصلحة، من خلال سلسلة من الالتزامات المتبادلة والشراكة مع الجمي، والانفتاح على الكل من جهة ثانية.
وبمعنى آخر فإن مفهومنا للعلاقات الدولية أصبحت تحكمه عدة محددات هامة، تبدأ بالاحترام المتبادل، وتنتهي بتعزيز المصالح المشتركة، وتقوم على تساوي الحقوق بين الجميع.
ولا شك أن هذا النمط من السياسات والمواقف، وإن كان مكلفًا في جوانب منه، إلا أنه يحفظ لهذه البلاد مكانتها ودورها المؤثر على كافة الصعد والمستويات، إن على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي. والمثل الأوضح لكل ذلك في الوقت الراهن هو ما تقوم به المملكة، على مستوى “أوبك” أو “أوبك بلس” أو على مستوى الإقليم، وما يعيشه من أوضاع وتحديات وأخطار وتجاذبات، تحتفظ فيها المملكة بالدور وبالكلمة وبالتأثير الذي تستحقه.
لكن الأهم من كل ذلك ونحن نعيش وسط عالم مضطرب، ومرحلة تطور شديد التعقيد في هذا العالم؛ حيث تتضارب فيه مصالح الشرق مع الغرب إلى الحد الذي يكاد يقترب من الانفجار، ويهدد بحرب عالمية بالغة ثالثة، والأهم من كل ذلك هو أن ندرك شعبًا ودولة أننا مطالبون بالمزيد من التماسك والقوة والصمود والإنتاج، وتسخير جميع طاقاتنا لخدمة هذا الوطن، وتمكينه من المضي إلى الأهداف الكلية التي جعلت منه وطنًا قويًا، وعظيمًا، وصاحب مشروع طموح في الوقت الراهن.
ومن طبيعة الدول والأوطان الطموحة أن تمر بمراحل صعبة، وأن تواجه تحديات خطيرة، وغير هينة، والمملكة العربية السعودية لم تكن كما هي عليه اليوم، وكما سوف تكون عليه غدًا -إن شاء الله- لولا حكمة قياداتها المتعاقبة، وولاء شعبها لها وللأرض التي منحتهم الكثير من الخير والأمان.
وبهذا الالتفاف، وبمصادر القوة المتعددة فينا، فإن المستقبل -بإذن الله تعالى- سوف يؤكد بأن هذه البلاد ماضية إلى ما فيه المزيد من الخير والعطاء والنماء والقوة والاستقرار والثبات، رغم هول الأخطار المحدقة بنا وبالآخرين؛ لأننا بلد صاحب رسالة عظيمة .. ومن كانت له رسالة تجمع أمتين عظيمتين هما: الأمة العربية والأمة الإسلامية، فإنه سوف يتمكن وباستمرار من تأكيد ليس فقط قدرته على البقاء والنماء، وإنما قدرة أمتين هما الأمة العربية والأمة الإسلامية أيضًا.