د. عبدالله العساف

ملحمة كفاح من التأسيس إلى التوحيد

قال صاحبي: ما قصة يوم التأسيس، ولماذا غفل عنه المؤرخون لتاريخ بلادنا، ما أبرز أحداثه التي يجب أن تروى ويسمعها ويعيها أبناء هذا الوطن، وغيرهم، ما الذي يجب علينا عمله؟
المملكة العربية السعودية ليست دولة طارئة على التاريخ، فجذورها ضاربة أطنابها في مهدها ومنبعها، الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، قبل البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبعد نهاية عهد الخلافة الراشدة وما تبعها من العهدين الأموي والعباسي، أصبحت الجزيرة العربية في حالة من عدم الاستقرار والضعف، ساهمت في قيام المدن (الدولة) المستقلة city states والتي كانت النموذج السائد في نجد آنذاك، وكان لكل مدينة (دولة) حدود جغرافية معلومة، تتخذ غالبًا من طبيعتها الجغرافية أسوارًا تؤمن لها الحماية، وكانت تعتمد على مواردها من الماء والغذاء، رغم ندرتهما؛ بالإضافة إلى بعض مبادلاتها التجارية مع محيطها القريب، من البادية والحاضرة.
وفي منتصف القرن التاسع الهجري وتحديدًا في عام 850هـ / 1446م تمكن الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي من العودة إلى وسط الجزيرة العربية؛ حيث كان أسلافه وقام بتأسيس مدينة الدرعية (التي تكونت من غصيبة والمليبيد) ثم أصبحت منطلق تأسيس الدولة السعودية الأولى، على يد الإمام محمد بن سعود في 30-6-1139 الموافق 22-2-1727.
في تلك الأيام لم تكن حرفة التدوين والتاريخ للأحداث مشتهرة وظاهرة؛ لندرة من يستطيع القراءة والكتابة، ولانشغال الناس بأرزاقهم، وأخيرًا هيمنة الرواية الشفهية، المنسجمة مع الطبيعة الثقافية السائدة، والاكتفاء بما يتم تخزينه في ذاكرة المتلقي، وهذا لا ينفي وجود مدونات تاريخية كانت هي النواة والمرجع الرئيس في تاريخ الدولة السعودية الأولى، كتاريخ حسين بن غنام، المعاصر لتأسيس الدولة، ثم تاريخ عثمان بن بشر، المعاصر للدولة السعودية الأولى والثانية، وإبراهيم بن عيسى، الذي سلك منهج من سبقه في التدوين، فهذه المدونات الثلاث، ساعدت على تقديم مادة تاريخية، تعد المرجع المتاح عن تلك الحقبة الزمنية.
ومما يؤخذ على هذه المدونات التاريخية، عدم تدوينها للأحداث السياسية التي صاحبت تأسيس الدولة، وجعلت انطلاقتها في التاريخ من وصول ابن عبدالوهاب للدرعية، وهذا عائد لأسباب منها، طلب الشيخ من تلميذه ابن غنام تدوين الأحداث، والآخر ذكره ابن بشر الذي أدرك خطورة النقص المعرفي بتاريخ المرحلة بقوله: “وأعلم أن أهل نجد وعلمائهم القديمين والحديثين، لم يكن لهم عناية بتاريخ أيامهم، وأوطانهم، ومن بناها، ولا ما حدث فيها”.
ولأن التاريخ له مناهج ومدارس يتبعها المؤرخون، فقد أخذ ابن غنام وابن بشر بالمنهج التقليدي (الحوليات) لتدوين الأحداث، وقاما بتدوينها وفقًا لتراتبيتها الزمنية، فكانت بداية كتابتهما لتاريخ الدولة السعودية الأولى منذ لقاء الإمامين محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب، وتبعهما في هذا من كتب لاحقًا عن تاريخ الدولة السعودية، دون أن يكلف نفسه عناء الرجوع للتاريخ الحقيقي، والبداية الفعلية، فاللقاء الذي جمع الإمامين، كان محطة في تاريخ الدولة السعودية الأولى، ومسيرتها، ولم يكن هو بدايتها.
وهذا يؤكد أن الدولة السعودية الأولى لم تكن حديثة النشأة، بل كانت تنتمي للفضاء الديني والسياسي، والثقافي للقرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، ويؤكد مرة أخرى على أنها أرست الركائز الأولى للدولة الوطنية الحديثة، التي وحدها الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- وأكمل مسيرتها أبناؤه الملوك، حتى أصبحت دولة عصرية تتمتع بمكانة دولية رفيعة، لها وزنها الديني، والسياسي، والاقتصادي، وأصبحنا ننعم بفضل الله بخيراتها وأمنها، ونفتخر ونفاخر بها الدول والشعوب.
صار لدينا يومان وطنيان نتوقف عندهما طويلًا، فمن التأسيس إلى التوحيد ملحمة خالدة، وقصص نادرة، تستحق أن تروى بطرق متعددة، لكن يجب أن يكون للإعلام والسينما السعودية، على وجه الخصوص دور الراوي الحاذق، والمؤرخ المتمكن من رواية الأحداث وتقديمها..ولكن بطريقة جاذبة وواعية قادرة على النفاذ لمختلف الشعوب، والثقافات، وألا تقتصر على الجمهور المحلي.
قلت لصاحبي:
نمتلك تاريخًا سياسيًا عظيمًا، أغفلته الرواية التاريخية، تقع على المختصين في جامعاتنا، وفي دارة الملك عبدالعزيز، مسؤولية إعادة قراءته وتدوينه لمعرفة فرادة التجربة وصيرورتها التاريخية وامتدادها، وأسرار بقائها رغم ما مرت به الدولة السعودية الأولى والثانية، من متغيرات وأحداث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى