إن استلهام التاريخ، والغوص في مكنوناته وسبر أغواره يعطي القارئ مساحة شيقة وثرية من المعرفة الإنسانية والحضارية، ويحفل التاريخ بين طياته بنماذج مُشرقة لمُلهمين وأبطال نقشوا أسماءهم بحروف المجد في صفحات التاريخ، فبنوا الأوطان، وحفظ لهم المكان والزمان مآثر من البطولة والمجد.
ومن هؤلاء الأبطال الإمام محمد بن سعود بن مقرن مؤسس الدولة السعودية الأولى، الذي ولد على الرأي الراجح عام ١٠٩٠هـ/١٦٧٩م، في بيت عز وإمارة فوالده، وأجداده كانوا حكامًا للدرعية منذ تأسيسها عام ٨٥٠ه/١٤٤٦م. تعلَّم الإمام محمد بن سعود أصول السياسة مبكرًا، وشارك والده في إدارة شئون الحكم، وامتلك صفات قيادية ومهارة عسكرية بارزة، ففي عهد والده تمكن من الدفاع عن الدرعية، ودحر الجيوش المعتدية، وصد الهجوم لزعيم الأحساء.
كانت نجد قبل حكمه كما يذكر المؤرخون في رعب دائم “بين عدو يأخذها بالقهر وحليف يأخذها بالغدر .. ففي الحرب يُقتل أبناؤها، ويدمر بناؤها، ويتلف زرعها ..” ينعدم فيها الأمن ويسود فيها الصراع والجهل، لذلك كانت بحاجة لقائد مُلهم وزعيم مخلص ينتشلها من الفرقة إلى الوحدة، وينقلها من الفوضى إلى الاستقرار، فقيض الله لها ذاك القائد وهو الإمام محمد بن سعود.
بايع أهالي الدرعية الإمام محمد بن سعود بالحكم فتأسست بحكمه الدولة السعودية الأولى في ٢٢ فبراير ١٧٢٧م الموافق ٣٠/٦/١١٣٩هـ، وانتقل بالدرعية من دويلة صغيرة إلى عاصمة لدولة كبرى.
عُرف الإمام محمد بن سعود بسداد الرأي وحُسن التدبير والتدين فكان كما يصفه المؤرخون “كثير الخيرات والعبادة”، يحب الخلوة والتأني، لديه حكمة وطموح واسع في الوحدة والاستقرار، نجح منذ بداية حكمه في القضاء على خصومه في الداخل، وحماية بلاده من الأعداء في الخارج، وعلى خلاف الإمارات النجدية الأخرى كان الإمام محمد بن سعود مستقلًا في حكمه، قويًا في قيادته فلم يخضع لأي قوة سياسية خارجية كحال جيرانه، بل ثبت وصد حملات الخصوم والأعداء ممن حاولوا النيل من استقلال بلاده، وكان حريصًا على الاستقرار الإقليمي في نجد، ومد يد العون والمساعدة لجيرانه رغبة في استقرار أحوالهم الداخلية، والشواهد التاريخية عديدة في ذلك.
عاشت الدرعية في عهد الإمام محمد بن سعود فترة مزدهرة بالرخاء والاستقرار حتى أصبحت موئلًا لعدد من الأسر والقبائل النجدية، وفي عهده قدَّم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ووجد النصرة والدعم من الإمام محمد بن سعود فاستقر بالدرعية، وبدأ في نشر دعوته الإصلاحية بتأييد من الإمام محمد بن سعود، الذي كان يملك مشروعًا إصلاحيًا واسعًا وشاملًا لجميع المناحي السياسية والدينية والاجتماعية.
وبتأسس الدولة السعودية الأولى أخذت الصفوف تتجمع، والبلدان تتوحد، والخيرات تتحقق؛ فانتقلت البلاد إلى عهد جديد تنعم فيه بالرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي، وقد وصفت الليدي آن بلنت الرحالة الإنجليزية الدولة السعودية الأولى فقالت: “إنها أول دولة عربية، تنشأ بعد عصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وتوحد تحت رايتها جزيرة العرب على أساس من الشرع والتنظيم الإداري”.
حكم الإمام محمد بن سعود حوالي أربعين عامًا قضاها في الوحدة والتأسيس، وتمكن خلالها من بسط نفوذه على معظم المناطق والبلدان النجدية وترك لأبنائه بعد وفاته في عام ١١٧٩هـ/١٧٦٥م دولة قوية واسعة الأرجاء، فأكمل أبناؤه مسيرة التوحيد والبناء، وسار الخلف على خطى السلف حتى أصبحت الدولة السعودية الأولى تمتد من الخليج العربي إلى البحر الأحمر في منظومة عربية وطنية قل نظيرها في التاريخ.
بوركتِ دكتورة منال على الاثراء التاريخي الرائع ، دائماً متألقة❤️❤️
طرح جميل ومعلومات ثرية تستحضر عمق التاريخ السعودي ..
بارك الله فيكم.منال
قلم متميز دائما في إبراز المكتسبات الوطنية في أجمل صورها..
دكتورنا منال المتألقة قلم رصين وفكر مبدع رزين
دمتي في تالق وتميز
دكتورتنا المتألقة بارك الله فيك قلم رصين وطرح رزين بارك الله فيك وزداك تالقأ وتميزا
مقالة رائعة ومعلومات قيمة؛ بوركتِ د. منال و بورك قلمك السيّال. دمتِ ذخرا ونبراسا منيرا للوطن .
موضوع جميل وطرح متميز د. منال
بارك الله في علمك وعملك