د. عبدالحفيظ محبوب

يوم التأسيس … ذكرى وطنية تعتز بالجذور

نحن نعيش ذكرى تأسيس أعظم وطن في العالم، جذوره ضاربة في التاريخ، قصة وطن عاش توحيد امتدت لأكثر من ثلاثة قرون، على عكس بقية الأوطان التي تتحدث الذكرى عادة عن الاستقلال والتحرر، بينما هذا الوطن يستذكر جذوره الراسخة، فمنذ أن أسس الأمير مانع بن ربيعة المريدي الدرعية عام 850/ 1446 الجد الثاني عشر للملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية المملكة العربية السعودية، حتى أصبحت الدرعية مركزا حضاريا، تميزت بموقعها الجغرافي في كونها مفترق طرق تجارية ما بين شمال وجنوب الجزيرة.
كل الدول تعتز بتاريخها وتدرسه لأبنائها ولكل الوافدين إلى بلدانها، لكن جذور تأسيس هذه البلاد راسخة في التاريخ وهي ليست ككل الأوطان بل وطن ممر للأنبياء، وللحج إلى بيت الله الحرام الذي أول بيت وضع للناس، وتوجد فيه أطهر بقعة في العالم، وظهور آخر الأديان وآخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، على أرضه الذي شع منها النور وانتشر في اصقاع الأرض حمله أبناء هذه البلاد.
حيث ازدهرت الكثير من الحضارات في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، فنشأت طرق التجارة، كطريق البخور وطريق اللبان، وذكر القران الكريم رحلتي الشتاء والصيف، بسبب أن جنوب الجزيرة كان مزدهرا اقتصاديا، ونشأت مملكة سبأ، واحدة من أهم هذه الحضارات، والتي ظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد، وفي شرق الجزيرة قامت حضارة دلمون قبل خمسة آلآف سنة، وفي وسط الجزيرة قامت ممالك قوية التي تقع في نجد جنوب مدينة الرياض حاليا سنة 547 قبل الميلاد، حيث أقاموا أول مملكة لهم في قرية الفاو وظلت دولتهم حتى القرن السابع الميلادي.
لم يلحق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا وكانت شبه الجزيرة العربية موحدة، ثم توسعت في عهد الخلفاء الراشدين، وأسست العصر الذهبي للحضارة العربية الذي ميزها عن غيرها من الحضارات أنها لم تقم على التمييز العنصري لفئة أو جماعة بعينها التي كانت كبيئة مناسبة لتنوع الإبداع لدى مختلف الشعوب، حتى ازدهرت في عهد الدولة الأموية التي اعتمدت على دعم القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية في ترسيخ مبادئ الإسلام في البلاد التي فتحوها.
ثم جاءت الدولة العباسية، لتعزز من مكانة شبه الجزيرة، وبشكل خاص منطقة الخليج العربي كطريق بحري للتجارة مع الصين وبلدان أفريقيا الشرقية، مع أهمية تحسين طرق الحج إلى مكة المكرمة وتامين سلامتهم، لكن بدأت تعاني شبه الجزيرة من التفكك عندما سيطر الفاطميون على الحجاز عام 650 – 923، لكن قضى صلاح الدين الأيوبي على الفاطميين، وسيطر على الحجاز، حتى تسلم العثمانيون الخلافة، وقد أحكم العثمانيون سيطرتهم على الأماكن المقدسة، خلافا لما كانت عليه بقية مناطق شبه الجزيرة ومن أهمها قلب الجزيرة نجد حتى دب الضعف في الدولة العثمانية.
استطاع الأمير محمد بن سعود تأسيس الدولة السعودية الأولى لتوحيد أجزاء الجزيرة العربية كما كانت عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عام 1139/1727 وعاصمتها الدرعية، على عكس بقية الدول التي فقط تسيطر على الحجاز سيطرة غير مكتملة فقط من أجل اكتساب شرعية الحكم فعانى الحجاز وعانى الحجاج من سهولة الوصول إلى مناطق الحج.
حتى أصبحت الدرعية مركزا للجزيرة العربية الموحدة، وملتقى العلماء، ومركزا للتعليم والتأليف، مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ، وتعتبر الدولة السعودية الثانية امتدادا للدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود في عام 1240، مستمرا في المنهج الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى التي ارتكزت على ثلاث ركائز من تطبيق الشريعة الإسلامية، ولم شمل جميع سكان شبه الجزيرة العربية الذي تربطهم روابط ثقافية وتاريخية وعمق اجتماعي، مع أهمية إرساء الأمن.
يعتبر عهد الملك عبد العزيز آل سعود امتدادا للدولة السعودية الثانية بعد فراغ وفوضى سياسية في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات 1319/1902 من إعادة تأسيس الدولة السعودية، وفي عام 1351/1932 أعلن الملك عبد العزيز رحمه الله توحيد المملكة العربية السعودية بعد بطولات وملامح تاريخية استمرت 30 عاما.
يجب أن نعرض تاريخ بلادنا بصورة عصرية لترسيخ قيم الولاء من أجل تعزيز اللحمة الداخلية والتفاف الجميع حول حكامهم ليتحول هذا الالتفاف إلى روح وطنية جامعة قادرة على المشاركة في النمو والإبداع ومواجهة كل التحديات التي تحاول النيل من هذا الوطن، لكنه وطن راسخ ويتصف بالشموخ، حتى أصبح رقما صعبا لا يمكن تجاهله على كافة الأصعدة الدولية والإقليمية باعتباره قائدا إسلاميا وقائدا لأسواق الطاقة.
حيث تولي حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان اهتماما كبيرا بتنمية روح الانتماء والولاء للوطن لتعزيز هذه اللحمة، والحفاظ على وحدة هذا الوطن، لتطوير الهوية الوطنية لدى الأجيال الحالية والقادمة، وهو ما ظهر جليا في القرار الملكي في اعتبار يوم 22 فبراير من كل عام يوما لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم يوم التأسيس، اعتزازا بالجذور الراسخة للمملكة العربية السعودية، ويوما فارقا في حياة المواطنين، وبشكل أخص الناشئة التي تعيش واقعا افتراضيا مفتوحا لربطهم بماضيهم، وأن شعب الجزيرة ارتبط بقادتهم منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون.
وفي زمن الانفتاح الكبير يجب أن تكون هناك أفلام وثائقية تطلع عليها هذه الناشئة في شكل ألعاب أو أفلام تحاكي عقول هذه الناشئة لترسيخ قيم الولاء والوطنية حتى لا يستميلهم الفضاء المفتوح، أو يشوش ذاكرتهم عندما تصبح الساحة الفضائية خالية من التثقيف الوطني، لكن يوم التأسيس سيقوم بدور كبير في مثل هذا التثقيف لهذه الناشئة.

—————

Dr_mahboob1@hotmail.com

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button