كلمة مكة
في ذكرى يوم التأسيس الأوَّل الذي نحتفل به في هذا اليوم سيكون أول ما يتبادر لأذهاننا الانطلاقة الفعلية لتأسيس أعظم دولة في الجزيرة العربية منذ أكثر من أحد عشر قرنًا من الهجرة النبوية، فالتاريخ يشهد بأنه وبعد انتقال الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة في عصر الخليفة الرابع علي بن أبي طالب – كرَّم الله وجهه – في ثلاثينيات القرن الهجري الأوَّل، لم يقم كيان سياسي متماسك في الجزيرة العربية بل ظل معظمها تحكمه قبائل متناحرة وإمارات محلية محدودة يفتقد تنظيمها لأبسط مقومات الدولة، واستمر الحال لقرون حتى بزغ نجم الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الهجري الثاني عشر أي قبل ما يقارب ثلاثمائة عام؛ ليأذن بفجر جديد لقيام الدولة السعودية الأولى تليها الدولة السعودية الثانية ليستقر الحال، ويترسخ الحكم في قيام الدولة السعودية الثالثة قبل نحو مائة واثنين وعشرين عامًا. الدول السعودية الثلاث المتتابعة عبرت بجلاء عن عزم أبناء مناطق المملكة على قيام وحدة شاملة بين مناطقها تحت نظام سياسي متماسك يقود البلاد والعباد نحو التقدم والرقي في جميع مناحي الحياة.
ولأن كانت الدولة السعودية الثالثة هي الأشمل والأقوى والأحدث فإن مراحل البناء والتأسيس في الدولة الأولى والثانية تستحق الذكرى والتذكر والتدبر؛ لتستلهم الأجيال الحاضرة منها العبر والدروس؛ وليتدبروا في عزائم الرجال الذين سالت دماؤهم الزكية على أرض المملكة؛ ليقوم هذا الكيان الشامخ.
يوم ذكرى التأسيس سيعيد ذاكرة أبناء المملكة إلى أزمنة ماضية لتدارس أحداثها والتغني بملاحمها، والتعرف على شخصياتها فما أجمل أن نتعرف على تفاصيل حقب زمنية هامة أسست لكيان شامخ نستظل بظله حتى يومنا الحاضر، وفي سنوات قادمة ومع تكرار الاحتفاء بيوم التأسيس سنتعمق أكثر وأكثر، وسنغوص في أعماق أحداث تلهم الأجيال، وتكون نبراسًا لهم يزيد من ارتباطهم بتاريخهم ووطنهم.
إن كتابة وتوثيق التاريخ هو إجراء هام لكن أحياءه في أفئدة الناس في كل عام أهم وأكثر وقعًا وتأثيرًا؛ ولذا جاء الاحتفاء بيوم التأسيس فكل يوم تأسيس والجميع بخير.