إن من علامات المواطنة الصالحة محبة الوطن، والافتخار به، والاعتزاز بتاريخه، والسعي في نهضته، والمحافظة على مقدراته ومكتسباته.
فالمواطنة بمفهومها العام هي الحب الغريزي للوطن، والدفاع عنه، وعن ولاة أمره، ومقدراته والتي تنبع من عقيدة وولاء، كيف وإذا كان الحديث عن أطهر البقاع، وأشرف الأصقاع، ومهوى عباد الله في أنحاء المعمورة.
إن هذه الوطن الشامخ بولاة أمره وما أنعم الله عليه بنعم وخصائص تفوق به عن غيره، وتجعل المحبة تعظم تجاهه بكل صدق، وولاء، ومحبة ووفاء، وقربة إلى رب الأرض والسماء فهي بلادنا الغالية، المملكة العربية السعودية التي ارتفع شأنها بتحكيم شرع الله والارتباط به، والنهل من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتطبيق التوحيد والدعوة إليه، ونبذ الشرك والبدع، وعمارة الحرمين الشريفين، والاهتمام بقاصديهما من الزوار والمعتمرين والحجاج، وطباعة المصحف الشريف ونشره، والعناية بالسنّة النبوية وتعلمها، ومناصرة قضايا الأمة الإسلامية ودعمها، وتطبيق العدل في جميع أعمالها.
كل هذا وأكثر في أطهر ثراء وأغلى وطن، فحدثني عن السعودية أحدثك عن خصائصها، وفضائلها، وما حباها الله من الخيرات والنعم.
إن الانتماء شعور صادق تجاه الوطن، وولاء بعقيدة مع ولاة أمره، وعمل لعمارته ونهضته، وافتخار بإنجازاته وأعماله، ومحافظة على ممتلكاته وثروته، واعتزاز بالجذور الراسخة لهذه الكيان العظيم، وارتباطاً ووفاءً بين الشعب والقيادة.
فمن أهم عناصر المواطنة الصالحة:
١- الولاء لهذا الوطن العظيم، بلد التوحيد والسنة، والوفاء له ولولاة أمره أعزهم الله، وتقديم مصلحته على المصالح الفردية، والوقوف ضد أعداءه، وناشري الشائعات ضده، وأن يكون هذا الولاء ناشئ من عقيدة وإيمان، وتفويض الأمور إلى ولاة الأمور، وطاعتهم بالمعروف، وفق مراد الله، ومحبة هذا الكيان الذي يعيش على أرضه وينعم بخيراته.
٢- الانتماء وهو الانتساب الحقيقي لهذا الوطن وولاة أمره، والاعتزاز به، وألا يكون هذا الانتساب صورياً، أو من أجل الدنيا، بل لابد أن يكون حقيقاً بتضحية، ووفاء، ونصيحة، وبناء.
ومن المواطنة الصالحة الافتخار بما نشاهده من انجازات وطنية، وأعمال متميزة، تظهر من هذا الكيان، وطن الرفعة والشموخ، والنهضة والتقدم، وما منّ به الله علينا في هذا الوطن العظيم بإنجازاته، وتضحيات ولاة أمره، وما ننعم به بعد توفيق الله من نعمة الأمن، والإيمان، ورغد العيش.
وانطلاقاً من الأمر الملكي ـ الكريم ـ القاضي بأن يكون يوم (٢٢) فبراير من كل عام يوماً لذكرى الدولة السعودية باسم يوم التأسيس، ليكون محطة من محطات الاعتزاز بهذه الدولة المباركة، وداعماً من دعائم الارتباط بهذا الوطن العظيم، وولاة أمره منذ عهد الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ قبل ثلاثة قرون في منتصف عام ١١٣٩هـ (١٧٢٧م) وقيام الدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام ١٢٣٣هـ (١٨١٨م) وعاصمتها الدرعية، ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت، وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمض سوى سبع سنوات على انتهائها، حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ عام ١٢٤٠هـ (١٨٢٤م) ، من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت الى عام ١٣٠٩هـ (١٨١٩م)، وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ـ رحمه الله ـ عام ١٣١٩هـ (١٩٠٢م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية.
وسار أبناءه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها، فكان هذا اليوم هو مناسبة وطنية للاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية، واستذكار تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ منذ أكثر من ثلاثة قرون، وما تحقق من الوحدة والأمن والاستقرار، والاستمرار في البناء والتوحيد والتنمية.
فجاء يوم التأسيس حاملاً في رمزه العلم السعودي، والنخلة، والصقر، والخيل العربية، والسوق، خمسة عناصر جوهرية تعكس تناغماً تراثياً حياً، وانماطاً مستمرة، هي رموز شعار يوم التأسيس، استلهم خط الشعار من نمط الخط التاريخي الذي كتبت به إحدى المخطوطات التاريخية التي تؤرخ أحداث الدولة السعودية الأولى.
وكانت عاصمة التأسيس هي مدينة الدرعية والتي تقع في وسط الجزيرة العربية، وتحديداً في إقليم اليمامة، الذي يحتل مساحة كبيرة من الجزيرة العربية ويبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب ما يزيد على ١٠٠٠ كم، وعرضه ٥٠٠ كم، وتتوسطه سلسلة جبال طويق الشهيرة، وقد تأسست مدينة الدرعية عام ٨٥٠ هـ، ومؤسسها هو الأمير مانع بن ربيعه المريدي ـ رحمه الله ـ، الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ.
من بدينا أنعم ربي علينا وقامت الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ الذي ولد في الدرعية والتي كانت عاصمة الدولة السعودية الاولى، وقد عرف الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ بصفات عدة من أهمها التدين، وحب الخير، والشجاعة، والقدرة على التأثير، وكان حاكماً حكيماً وفياً، تربى في بيت عز وإمارة، وتعلم السياسة، وطرق التعامل مع الإمارات المجاورة، وكان من أبرز إنجازاته:
١- توحيد الدرعية تحت حكمه والإسهام في نشر الاستقرار.
٢- الاستقرار السياسي وعدم التبعية لأي نفوذ.
٣- الاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية.
٤- مناصرة الدعوة الإصلاحية وحمايتها.
٥- الحرص على الاستقرار الإقليمي.
٦- توحيد معظم منطقة نجد.
٧- بدء حملات التوحيد.
٨- تنظيم موارد الدولة.
٩- دعوة البلدات للانضمام إلى الدولة السعودية.
١٠ – بناء سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية.
١١- بناء حي الطرفية بجانب غصيبة.
١٢- تأمين طرق الحج والعمرة.
١٣- التصدي لعدد من الحملات ضد الدولة.
ونتيجة لمناصرة الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ الدعوة الإصلاحية وحمايتها، فقد قام الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ بنشر العلم الشرعي، وتهيئة العلماء، وطلاب العلم، في الدرعية، وفي أنحاء الدولة السعودية الاولى.
وكان من ثقافة الدولة السعودية الأولى نخوة العوجا، وهي النداء الذي يبعث الحماس، والفخر، وروح الانتماء للوطن، ويعبر عنها أبناء الوطن في أهازيجهم الوطنية.
وكذلك العرض السعودية التي بدأت قديماً في تفاصيلها، أو طريقة أدائها لإخافة الأعداء بإظهار الكثرة والعددية أمامهم، وتخويفهم بأصوات طرق الطبول، وشحذ الحماسة، والبسالة للمقاتلين، ورفع الروح المعنوية لديهم، بترديد القصائد الحماسية.
وقد كان ليوم التأسيس كلمات خالدة سجلها التاريخ لملوك هذه البلاد الطاهرة ولسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رحم الله من مضى منهم، وأطال في عمر ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين.
فقد قال الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه
“لقد ملكتُ هذه البلاد التي هي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية، وكل فرد من شعبي هو جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضل نفسي عليهم ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”.
وقال الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله
“تولينا حكم المملكة العربية السعودية … معتزين بهذا التراث المجيد الذي ورثناه كابراً عن كابر، والذي أسس على تقوى الله وطاعته، دستوره القرآن الكريم، وعماده سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى أسسه نحن ماضون”.
وقال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله
“إن إيمان هذا الشعب بالله، وتماسكه وتفانيه في خدمة وطنه والكفاح في سبيل استقلاله وحريته هو السبيل الذي أوصل هذا الشعب وهذا البلد الكريم إلى ما هو عليه الآن”.
وقال الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله
“استطاع الملك عبد العزيز وبفضل الله أن يؤسس هذا الكيان الكبير، ليعيد له الأمن بمعايير يعز على الآخرين الوصول إليها، ويحقق لشعبه أفضل مستويات الحياة الإنسانية المرفهة والمستقرة، حتى أصبحت بلادنا مضرب الأمثال في العزة والكرامة والتقدم والازدهار”.
وقال الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله
“قامت الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف على الإسلام، وعلى منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع”.
وقال الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله
” إن بلادنا ولله الحمد شهدت منذ تأسيسها على يد الموحد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ نهضة حضارية شاملة، استهدفت الإنسان السعودي في عيشه وعمله وأمنه وصحته وتعليمه”.
وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه
“جاءت الدولة السعودية لتعيد الاستقرار لهذه المنطقة على نهج الدولة الإسلامية الأولى، وتوحد أغلب أجزائها في دولة واحدة، تقوم على الكتاب والسنة، لا على أساس إقليمي أو قبلي أو فكر بشري منذ أكثر من مئتين وسبعين سنة”.
وقال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه
“لدينا عمق تاريخي مهم جداً موغل بالقدم ويتلاقى مع الكثير من الحضارات … الكثير يربط تاريخ جزيرة العرب بتاريخ قصير جداً، والعكس أننا أمة موغلة في القدم”.
حفظ الله بلادنا، وولي أمرنا وقائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمين ساعده الأيمن الأمير محمد بن سلمان، وعلمائنا، ورجال أمننا من كل سوء ومكروه.
وأدام الله علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وزادنا عزاً، ورفعة، وشموخً، إن ربي سميع مجيب.
بقلم /
عبدالرحمن بن عبيد السدر